بسم الله الرحمن الرحيم
يقول كاتب المقالة (الموت تلك الكلمة المرعبة التي تقشعر لهولها الأبدان، كلمة مكونة من ثلاثة أحرفٍ موت، ثلاثة أحرفٍ تثير الرعب في قلوب عباد الله، الموت ما ذكر عند جليلٍ إلا وحقره، وما قورن بعظيمٍ إلا وأذله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور ) الموت : ذلك المخلوق المرعب الذي ترتعد الفرائص عند ذكره، مخيف، غامض، مرعب، كريه بغيض للنفس الإنسانية بل وحتى للبهائم، إذا شعر الفيل بدنو أجله فإنه يهجر القطيع إلى مكانٍ بعيدٍ ليلقى حتفه هناك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأسد وبعض الحيوانات الأخرى، وإذا وقع الحيوان في فخ حيوانٍ آخر فإنك ترى في عينيه الرعب والجحوظ والخوف من الموت .
والموت حق على جميع المخلوقات من إنسٍ وجنٍ وملائكة وسائر المخلوقات الأخرى، ومهما طال الزمن أو قصر فلا بد لنا من ولوج بوابة الموت، والموت يا سادة يا كرام مصيبة وأي مصيبة، سماه الله مصيبة قال تعالى ( فأصابتكم مصيبة الموت ) الموت لا يعرفك ولا يجاملك، يأتيك دونما إنذارٍ في بعض الأوقات، حادث أو طعنة، طلقة أو نوبة قلبية، صعقة كهربائية أو انهيار في وظائف القلب بصورةٍ مفاجئةٍ، وفي بعض الأحيان قد ينذرك أو تنذرك علاماته ( المرض، الشيب، الحرب ) إلخ....
الموت يهجم فجأةً كلصٍ غادر، لكنه هجم عليك بقدر من الله، لا يحتاج الموت إلى واسطة أحدٍ من المخلوقين كما لا يحتاج إلى استئذانٍ منك، ربما بعد قراءتك لهذا المقال سوف تموت، وربما بعد أن تغلق جهاز الحاسب سوف تموت، ربما تموت بعد غدٍ أو في الغد، أو بعد شهرٍ ......... لا تعرف تاريخ نهايتك ولا وقتها أو مكانها ولا يعلم أحد إلا الله سبحانه وتعالى ( وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت )
ذات يومٍِ كنت في إحدى البقالات أشتري أغراضاً لمنزلي، كان بجواري رجل يتحدث في الهاتف ويعلم أصحابه أن أمه قد توفاها الله سبحانه وتعالى، كأنه يطلب العزاء لنفسه منهم، كان أرى انفعالاته من وراء ظهره، كان يقطع الخط الهاتفي ليهاتف شخصاً آخر وهكذا، حتى فرغ من تلك المحادثات، سلمت عليه وسألته عن أمه فأعلمني أنها قد توفيت إلى رحمة الله سبحانه، عزيته وصبرته وطلبت منه الدعاء لها، خرج الرجل من البقالة وانطلق في حال سبيله وأنا أشيعه بنظراتي الحزينة، رأيته يرفع يده اليمنى ويمسح دمعةً نزت من إحدى مقلتيه حتف أنفه، ثم أخذ الظلام يبتلعه شيئاً فشيئاً والعربات تمر بجانبه ولا تعيره انتباهها، لم يكن أحداً يعلم أو يشعر أن هذا الرجل الذي يمشي على قدميه قد توفيت والدته للتو واللحظة، ما أقساك أيتها الحياة .
تذكرت قصةً للأديب الروسي ( أنطوان تشيكوف ) عن أبٍ فقد ولده الشاب بسبب مرضٍ لم يمهله طويلاً، كان الأب يعمل حوذياً يقود عربته القديمة بحصانه العجوز في صقيع روسيا القارس، وكان الأب المكلوم إذا ركب معه أي راكبٍ فإنه كان يبث إليه حزنه ولوعته على ابنه الشاب الذي كان يعول عليه كثيراً، وكان الكثير من الركاب يبدي تبرمه وعدم مبالاته لهذه القصة المأساوية، ما أحوجنا إلى المعاني الإنسانية .
ومثل هذه الغفلة واللامبالاةٍ تحدث لنا عندما نشيع رجلاً ما إلى قبره، أو إلى أول منزلٍ من منازل الآخرة القبر، نكون حينها في تأثرٍ بالغ وحزنٍ عظيم، وما إن نخرج من رحم المقبرة إلى صخب الحياة ولججججججججججججها حتى يكتنفنا النسيان أو ما يعرف ( بالران ) الغفلة، نترك الميت لمصيره المحتوم ( الحساب )، تماماً مثل ما أخبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ( إذا مات الميت تبعه ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله )
يقول الدكتور عماد الديب وهو طبيب شرعي في كتابه ( مذكرات طبيبٍ شرعي ) إن الموت هو خروج للروح من الجسد، الجسد يحفظ الروح، والروح كذلك تحفظ الجسد، الروح تحفظ فسيولوجية الجسد، أي وظائف هذا الجسد، من دورته الدموية وعملية التنفس وغيرها من الوظائف، وحينما تفارق الروح الجسد تتوقف الوظائف الحيوية ويتحول الجسد إلى مادةٍ فحسب، وعندئذٍ يترسب الدم من الأوعية الدموية الكبيرة إلى الأوعية الدموية والشعيرات الصغيرة، وينكفئ بفعل الوزن في المناطق الأكثر انخفاضاً من الجسم، ليس القلب الذي يضخه، وإنما الجاذبية الأرضية هي التي تشده، كأن الأرض تنادي الجسد بعد الوفاة، فمنها خلق وإليها يعود، فإذا كان الجسد مسجىً على ظهره عند الوفاة فإن عملية الترسب تتركز في المناطق الخلفية والعكس كذلك .
وإذا مات الميت فإن درجة حرارته تتغير تبعاً لدرجة حرارة الغرفة، ومن المظاهر المصاحبة للموت ما يتعلق بحالة الجثمان، فبعد الوفاة ترتخي عضلات الجثمان بشكلٍ كبيرٍ، ثم بعد حوالي ساعتين يبدأ الجسد في التخشيب، أو بالمصطلح العلمي التيبس الرمي، ويبدأ هذا التيبس من أعلى إلى أسفل، فيبدأ بعضلات الوجه ثم عضلات العنق ثم الأطراف العلوية ثم الأطراف السفلية، حتى إذا ما انتصف اليوم بعد الوفاة كان الجسد كله متيبساً، وبعد حوالي اثنتي عشرة ساعة يكون الجسد متخشباً كقطعة خشبٍ، ثم تبدأ مرحلةً رميةً أخرى هي مرحلة رخاوةٍ بعد تيبس، وتبدأ من الأطراف العلوية أيضاً حتى تشمل كافة الجسد ليصبح الجسد كقطعة عجينةٍ شديدة الرخاوة، وفي اليوم التالي تبدأ ألوى عملية التعفن بالظهور إلخ ......... .