فتح المغرب العربي:
- استغرق فتح جميع بلاد المغرب ما يقارب 70 عاماً من 23 هـ إلى 89هـ.
* عقبة بن نافع الفهري:
- خضع المغرب العربي للإسلام لكنه لم يستقر فيه، وظل أهله ينقضون عليه مرات ثم يعودون إذا جاءتهم الجنود الإسلامية. ومن أشهر القواد الذي كان لهم دور كبير في فتحه: عقبه بن نافع الفهري، وهو تابعي جليل يروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ويحتل موقعاً أثيراً في قلوب المسلمين، فهو المؤمن المجاهد في سبيل الله ونشر رسالته، ما وهن ولا ضعف في مواجهة الشدائد والصعاب، نذر حياته وباع نفسه في سبيل الله. وقد توغل توغلاً شديداً في المغرب حتى وصل شاطئ المحيط الأطلسي الذي كان يسمى بحر الظلمات، وخاضه بفرسه حتى بلغ نحره فقال: اللهم اشهد...أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت أقاتل من كفر بك حتى لا يُعبد أحد من دونك.
جيوش المسلمين في المغرب العربي
- ولما أراد العودة إلى عاصمة إفريقية ( القيروان ) اختار طريق الأطلس الصحراوي، وقسّم جنوده حين وصل إلى (طبنه)، ولم يكن قد بقي بينه وبين القيروان أكثر من ثمانية أيام وأمرهم أن يسيروا فوجاً فوجاً، فانتقض عليه البربر والرومان فكمنوا له في منطقة (تهوذة) وهي في جنوب الأوراس، إذ كان في ثلاثمائة فارس فقط، فقتلوا جميعاً بعد قتالهم قتال الأبطال، وظل البربر بعد ذلك بين الخضوع للإسلام والثورة عليه كلما سنحت لهم بادرة، إلى أن ولي عليها رجل عظيم وقائد محنك هو:
* موسى بن نصير:
- كان والده نصير من بين أربعين غلاماً سباهم خالد بن الوليد رضي الله عليه وسلم في كنيسة عين التمر على شاطئ الفرات عام 12 للهجرة بعد أن ضرب أعناق أهل الحصن أجمعين. وكان على هؤلاء الغلمان باب مغلق فكسره عنهم، وأجابوه بأنهم رهائن لدى أهل عين التمر، فاعتبرهم خالد رضي الله عنه من السبي وقسمهم على أهل البلاء من جنده. وكان منهم أيضاً سيرين والد محمد بن سيرين، ويسار جد محمد بن إسحاق كاتب السيرة (المغازي).
* أسرته:
- أعتق بنو أمية نصيراً ، فعمل في شرطة معاوية رضي الله عنه، وكان صاحب همة وعطاء حتى صار من قواد جيش معاوية رضي الله عنه وحراسه.
- ولما حصلت الفتنه بين علي ومعاوية رضي الله عنهما رفض أن يقاتل علياً ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما استتبَّ الأمر لمعاوية رضي الله عنه عام الجماعة قال له يعاتبه لعدم مشاركته في قتال علي رضي الله عنه: ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني عليها؟
فقال كلمة عظيمة معبّرة تدل على وعيه ورسوخ الإيمان في قلبه: لم يمكن أن أشكرك بكفري من هو أولى بشكري منك. فقال له معاوية رضي الله عنه: من هذا الذي هو أولى بالشكر مني؟ وهو يرى أنه صاحب الفضل عليه، فأجابه نصير: الله سبحانه وتعالى، فأطرق معاوية رضي الله عنه رأسه، وقال: أستغفر الله، وعفا عنه وسامحه ورضي عنه.
وصل الإسلام إلى المغرب العربي ممهداً الطريق إلى الأندلس
* نشأة موسى بن نضير:
- ولد موسى بن نصير في الشام عام 19 للهجرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وعاش مع أولاد الخلفاء، شارك بعد أن تعلم فنون القتال واستخدام السلاح في فتح (قبرص)، وكان أحد قواد الأسطول الإسلامي، وعندما حصل الصراع بين الأمويين أنفسهم، وبينهم وبين ابن الزبير بعد موت معاوية رضي الله عنه، بايع الناس في أقطار الإسلام ابن الزبير، وكذلك الشام، فلم ير أي حرج في مبايعة ابن الزبير مع الضحاك بن قيس الفهري، وزفر بن الحارث القيسي، وكذلك النعمان بن بشير الأنصاري، وكلهم كانوا من أمراء الأمويين سابقاً..
واستطاع الأمويون ومن ساندهم من القبائل وبخاصة قبيلة كلب اليمانية أن يجمعوا أمرهم على مروان بن الحكم، وأن يسيروا إلى الجابية ثم إلى مرج راهط لكي يقنعوا الضحاك وجماعته على مبايعة الأمويين إلا أنه أبى ذلك، فوقع القتال بين الطرفين، ودارت الدائرة على أنصار ابن الزبير وفرّ موسى كما فرّ الضحاك وغيره، ولجأ إلى عبد العزيز بن مروان والي مصر الذي عفا عنه إذ اعتبره مجتهداً في أمره وفي هذه المسألة لمبايعة ابن الزبير، وقرّبه منه، فشكر له موسى هذا الأمر وكان عاملاً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى، وكان من رجال العلم حزماً ورأياً وهمه ونبلاً وشجاعة وإقداماً ذكر عنه من ترجم له.
* موسى بن نصير والي إفريقية عام 86 هـ - 705 م:
- ولاه عبد العزيز بن مروان (والي مصر) إفريقية "ويطلق هذا الاسم على الشمال الإفريقي ليبية وتونس والجزائر والمغرب" عدا مصر، وكانت منطقة تغلي بالقلاقل، وتثور الاضطرابات فيها من فترة لأخرى، فوجد أن ذلك يعود لسببين رئيسيين:
1- كانت الفتوحات في هذه المنطقة تمتد بسرعة ولا يكفي عدد المسلمين لضبط المناطق المفتوحة لقلة عددهم، فقال موسى كلمة معبرة عن سابقه عقبة بن نافع: رحمه الله، كيف ينطلق ولم يحم ظهره؟ أما كان معه رجل بصير؟.
2- أما السبب الثاني: رأى أن الإسلام لم يكن قد تمكن في قلوب الناس هناك، وما زال البربر ينتقضون عليه كلما سنحت لهم فرصة. فاتبع سياسة جديدة؛ ذلك أنه لا يتابع الفتح من منطقة إلى أخرى قبل أن تستقر النفوس للخضوع لهذا الدين الجديد، وعمل على أن يمتلك الإسلام قلوب (البربر)، فبث بينهم العلماء والدعاة بدءاً من سنة 86 للهجرة، وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام لدى الدراسين وهي أن الانتشار الواسع للإسلام في العالم على هذه الرقعة الكبيرة منه لم يكن إلا في فترة وجيزة جداً بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بستة وسبعين عاماً فقط.
- ولما دخلوا في دين الله أفواجاً، وصارت غالبيتهم جنداً للإسلام حقاً، قاتل بهم وبغيرهم الفئة التي لا تريد أن تخضع وتطغى على الناس، فلاحقهم موسى في الجبال وكاد أن يفنيهم -كما قيل- ولما وصل بخيوله إلى منطقة القبائل التي غدرت بعقبة بن نافع، قاتلهم قتالاً شديداً وانهزم البربر من أهل (سجومة)، ففتح موسى المدينة وقتل ملوكها، وأمر أولاد عقبة الثلاثة (عياضاً وعثمان وأبا عبيدة) أن يأخذوا حقهم ممن قتلوا أباهم، فقتلوا من أهل (سجومة) من البربر ستمائة رجل من كبارهم، ثم قال موسى كفّوا، فكفوا. وقال عياض بن عقبة: أما والله لو تركتني ما أسكت عنهم وفيهم عين تطرف، وبزوالها سقط الحاجز المعنوي والمادي الذي يصد الناس عن دين الله، ودخلت الآلاف إلى الإسلام وكان من بين الذين اعتنقوه قائد عظيم -سيكون له شأن في المستقبل القريب- من قادة البربر هو طارق بن زياد رحمه الله.
* نبذة عن موسى بن نصير:
- 19هـ ولد في الشام وهو من التابعين.
- ولاه معاوية البحر.
- بايع ابن الزبير بعد موت معاوية لكن ما لبث أن فرق الأمويون جمعهم فالتجأ إلى عبد العزيز بن مروان.
- صار وزيراً لعبد العزيز بن مروان والي مصر.
- 86 هـ تولى شمال غرب إفريقية.
- 92 هـ يعد المخطط الأول لفتح الأندلس.
- 92 هـ أرسل أول سرية إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد ففتح جنوبها.
- 93 هـ أعاد إخضاع جنوب الأندلس بعد تمردها وفتح عدة مدن أخرى.
- اشتهر بصلاحه وحبه للجهاد.
- 97 هـ توفي بالمدينة المنورة.
جبل طارق نقطة إستراتيجية وأساسية بالنسبة للساحل الإسباني الذي يراقب العبور من البحر الأبيض المتوسط إلى ال
محيط الأطلسي.
* إخضاع شمال إفريقيا:
- وأخضع موسى الشمال الإفريقي كله وخضعت له بذلك قبائل البربر. تلك التي أعلنت تمردها بعد أن عاهدت المسلمين. ولم تبق إلا مدينتان وهما طنجة وسبتة في القسم الشمالي الغربي من المغرب، تقابلان إسبانية، ويفصل بينهما وبين المضيق فقط.
- أرسل موسى قوة ذاتية أصيلة من الفئة المؤمنة الجديدة (البربر) عددها "9" آلاف بقيادة طارق بن زياد لفتح طنجة، وتم فتحها في مدة وجيزة.
- وقاد هو بنفسه جنداً لفتح سبتة التي كان يحكمها حاكم من قبل (غَيْطِشة) ملك إسبانية يدعى (يوليان) أو (جوليان)، وكانت مدينة محصنة بأسوارها الضخمة، واستمات أهلوها في الدفاع عنها، لذلك امتنعت من الفتح، ففك موسى الحصار عنها وولىّ طارق بن زياد أميراً على تلك المنطقة (طنجة) وما حولها، وعاد إلى عاصمة إفريقية (القيروان).