البحث عن إجابات من خلال الإنترنت لنواحٍ مختلفة تخص شؤون حياتنا أصبحت سمة كثير من الناس، ومعظم هؤلاء يثق فيما يجده في المواقع من دون دراية أو التحقق من المرجعيَّة الطبيَّة له، بل ويعتدُّ به، ولو تعلق الأمر بصحته، وعندما تسأله عن مدى صحة معلوماته يقول لك الإنترنت قالت.
فمتى كان الإنترنت جهة مهمَّة في إيصال المعلومة الطبيَّة للمريض؟ فقد يكون في ذلك مصدر ضرر له من الممكن أن يتسبب في هلاكه.
تواصلت مع عدد الأطباء للوقوف على سلبيات وإيجابيات هذه الظاهرة، وهل صحيح بأنَ مواقع الإنترنت أصبحت تنافس الأطباء؟
الفحص السريري
البداية كانت مع الأستاذة الدكتورة فاطمة الملحم، رئيسة وحدة تصوير الثدي بمستشفى الملك فهد، التي أكدت على أهميَّة التحقق من المرجعيَّة الطبيَّة لأي موقع قبل أخذ المعلومات الطبيَّة منه، وأضافت أنَّ النت لا يمكن أن تغني عن زيارة الطبيب وعن الفحص السريري؛ لأنَّ تشخيص الحالة فقط عن طريق سرد الأعراض يُعدُّ تشخيصاً ناقصاً.
وتقول: أذكر حالة لإحدى المريضات كانت قد جاءت إليَّ وهي تشعر بكتلة ما في الثدي، وقالت إنَّها بحثت في «النت» وتوصلت إلى أنَّ معظم الأورام في الثدي غالباً ما تكون حميدة، لذلك قرَّرت عدم الخضوع لأي فحوص أخرى، فأخبرتها بأنَّ ذلك قرار خاطئ، وأنَّ الاستشارات عن طريق «النت» لا تغني عن الفحص السريري، ونصحتها بضرورة إجراء باقي الفحوص، لكن للأسف كانت ثقتها أكبر بتلك الاستشارة، وخلال عام لجأت المريضة إلينا وكان حجم الورم الذي اتضح بأنَّه خبيث قد تجاوز السنتيمتر ونصف السنتيمتر ولو أنَّها شخَّصت المرض، وخضعت للعلاج في وقت أبكر لكانت فرصتها في العلاج أكبر.
الطبيب هو الفلتر الأول
أما الدكتور محمد إدريس، طبيب جراحة النساء والتوليد والعقم فينصح بالمواقع الطبيَّة الموثوقة، التي تخضع لإشراف أطباء مختصين معروفي الهويَّة ومسؤولين عن صحة المعلومات والاستشارات، ويقول: أنا أحد هؤلاء الأطباء ولدي صفحتي الخاصة بعنوان (نحو حمل آمن) ويتم فيها التواصل معي مباشرة لتقديم الاستشارات، لكن تظل هذه المواقع «موجهة» فقط تهدف إلى تأييد ومساندة العلاقة بين المريض والطبيب، لا أن تحل محل هذه العلاقة، فالحالات المرضيَّة تُشخص عن طريق أركان ثلاثة هي التاريخ المرضي، والفحص السريري، والمختبر والتحاليل.
وأذكر حالة لمريضة أرادت الحصول على مانع حمل، لكنَّها فضلت البحث على صفحات المنتديات ومواقع النت التي شخصت لها نوعاً محدداً من الحبوب مزدوج الهرمون، ومن دون استشارة طبيَّة تناولت ذلك العقار ما تسبب لها تجلطاً في الأرجل، وكانت قاب قوسين أو أدنى من حدوث تجلطات في القلب أو أورام، وحين جاءت إليَّ وبالاطلاع على تاريخها المرضي والفحص تبيَّن أنَّها تعاني من أمراض في القلب ولديها كتلة في صدرها، وذلك الهرمون يؤثر بشكل كبير على الشرايين.
أسأل مجرب ولا تسأل طبيب
الدكتور محمد حنتيرة، استشاري طب وجراحة العيون والليزر، بدأ حديثه معنا بالمثل القائل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» قائلاً: يبدو أنَّ هذا المثل قد أصبح جزءاً من ثقافتنا الطبيَّة، إذ أنَّ كثيراً من الناس بات يلجأ لمحرك البحث «قوقل» عند الشعور بأي عارض صحي من أجل الحصول على استشارة من أهل الخبرة من دون إدراك لمدى خطورة ذلك، خصوصاً أنَّ القارئ خلف شاشات الكومبيوتر بات مستهدفاً بالدعاية التسويقيَّة للأدوية والأدوات الطبيَّة غير المعروفة.
وأضاف: حين انتشر بيع العدسات اللاصقة من مواقع غير مرخصة ومجهولة وبأسعار رخيصة، حيث تسبب الاستخدام العشوائي لها ومن دون أي استشارة طبيَّة إلى حدوث أكثر من 24 حالة قرحة ميكروبيَّة في قرنيَّة العين في ذلك الوقت، وانتهت كل تلك الحالات بزراعة قرنيَّة للعين.
الرأي النفسي
وأوضح الدكتور أشرف خليفة، استشاري الصحة النفسيَّة، أنَّ أسهل وسيلة لقتل التوتر والقلق الناتج عن وهم المرض هي اللجوء إلى الإنترنت من أجل الكشف وطلب الاستشارة، فحبُّ الحياة الشديد والرغبة بالعيش بصحة جيِّدة هو ما يجعل المريض في حالة غير متزنة ويدفعه للبحث عن أي معلومة تتعلق بمرضه.
وقد يكون البحث في النت في بعض الحالات جهة مهمَّة وإيجابيَّة كتدارك الحالة المرضية في بدايتها، والحماية الذاتيَّة للشخص نفسه أو أهله، والمساهمة في زيادة الوعي الصحي، وسرعة اتخاذ القرار في الحالات التي تستدعي عدم التهاون.
ويمكن أن يكون البحث مصدر ضرر شديد على المريض في حالة إساءة الوصف الصحيح لحالته أثناء البحث على النت، وسوء فهم المريض للمعلومات المطروحة، ووجود خطأ طبي فادح بالموقع، أو تشابه وصف الحالة مع حالة أخرى تقريباً ما يزيد من وهم وتوتر المريض، وأخيراً فإنَّ الطبيب هو الأصدق، وهو المرجعيَّة الثابتة وفي حال وجود أي خلل صحي أو نفسي، فيجب ألا نهتم إلا بالمتابعة المباشرة معه.