من فضل الله ونعمته علينا أن نرى في كثير من المساجد والعديد من المجالس تلك المحاضرات المتنوعة للأخوات الداعيات، حبا منهن في العلم وسعيا لنشر الخير، وتبديلا لمجالس الكلام الدنيوية إلى مجالس علم تحفها الملائكة، وتتنزل عليها السكينة، ويذكرها الله لهن في ميزان الحسنات يوم القيامة عنده.
ومع هذا الحرص المبارك أضع بين يدي الأخوات الداعيات - على وجه الخصوص - هذه المجموعة من النصائح، أنثرها بين أيديهن بغية التنبيه والتذكير على مجموعة من القضايا المهمة، مع حرصهن على نشر الخير في إلقاء المحاضرات، ومن تلك النصائح:
1 - من الجميل جدا حرص الداعيات على تنويع المحاضرات والدروس للأخوات والأمهات، بما يناسب أحوالهن وأعمارهن، فهناك علم الفقه والسيرة وعلم الحديث والوعظ والعقيدة، وغيرها كثير من الفنون.
2- الحرص على تعلم قواعد الشريعة وأساسيات العلوم أمر مهم مع التدرب على مهارات الإلقاء والخطابة وعمل الدروس، فالحذر من امتلاك منطق وفن الكلام، مع فقد أبجديات العلم الشرعي.
3- الوعظ والنصح يداوي ويفيد القلوب الغافلة اللاهية، لكن مع مراعاة عدم الإفراط فيه لأن سياط التخويف والترهيب مؤلمة على القلوب إن تجاوزت حدها بالإكثار منها، فليست أحاديث الجنة والنار وعذاب القبر سنة يواظب عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجالسه، لكن هناك القصة والشعر والتحذير من البدع والشركيات، فالقلوب أوعية ينبغي أن يملأها الإنسان بالمتنوع من العلم، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتخول الصحابة بالموعظة خشية السآمة.
4- اختيار المحاضرة المناسبة للزمان والمكان، وحاجة الأخوات من العلم دلالة على حسن التدبير ورجاحة التفكير، ومعالجة سبل الخلل فيهن أمر محمود ومرغوب شرعا وواقعا إلى مثل هذه النوعية من المحاضرات.
5- جميل جدا أن تكون للأخت الداعية حصيلة مباركة من العلم في العقيدة والحديث والسيرة بما يجعلها في حصن متين من البيان والحجة؛ فلا يتصور أن تكون الداعية هزيلة في بعض العلوم، وتفتقر المعرفة على وجه الخصوص بعلم الحديث، فلا تفرق بعد ذلك بين صحيح ومكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!
6- لا يليق ببعض الداعيات تركيزهن على الوعظ والنصح أو الحديث عن اليوم الآخر، مع تركهن لقضايا العقيدة وبيان خطر الشرك وضرب الأمثلة المعاصرة بأخطاء الكثيرات من النساء، لجهلهن وعدم سماعهن لقضايا التوحيد.
فالقضية المهمة التي كانت تشغل فكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقلقه هي تصحيح المعتقد ونبذ الشركيات في مختلف أوجه الحياة.
7- لتتذكر الأخت الداعية الواعظة أن لقب -الداعية- ليس تشريفا أو حصولا على مكانة سامقة رفيعة تتميز بها عن غيرها من الأخوات، ولكنه تكليف وأمانة ينبغي صيانتها من الخطأ واللبس في القول والفتوى.
8- مسمى - الداعية - له شأن كبير ومنزلة خطيرة في العلم، فلا يجدر أن نطلقه على كل من تريد أن تتكلم أو تعظ الناس؛ فهل يعقل أن نصف به امرأة كانت ممثلة أو راقصة ثم تابت إلى الله - ولله الحمد - لمجرد أنها تقول قصة توبتها في المجالس؟!
فمثل هؤلاء النسوة التائبات عليهن ابتداء الجلوس في بيوتهن والبكاء على ما أسلفن من عمل وقول، والإكثار من الندم والاستغفار، لا أن يسعين إلى حب التصدر في المجالس والكلام وذلك من باب الشهرة السابقة المخزية.
9- من دلالات الفطنة عند الداعية الواعظة وحسن الاختيار المناسب في العلم: الحرص على العلوم الشرعية وفق ما نقله لنا كبار العلماء الربانيين، بالدليل الصحيح؛ إذ ليس من المناسب أن يكون حرص بعض الداعيات متوجها إلى محاضرات - يُقال عنها - تربوية، تثقيفية، تكاد الأخوات المستمعات لا يسمعن فيها آية ولا حديثا، والنتيجة من بعد غالب أمثال هذه الدورات علم لا يكاد يسمن ولا يغني ولا يوصل إلى عمل صالح يحبه الله.
10- الداعية الواعظة المرشدة لغيرها قدوة ومثل يحتذى به عند بعض الأخوات، فلا يتصور منها أن تهمل مملكتها العظيمة وبيتها الجميل الذي هو أساس صلاح المجتمع، ونجدها تحرص على الوعظ والأمر بالمعروف لغيرها من النساء في مختلف المجالس والمساجد، وهي مهملة لحقوق زوجها، ورعاية أولادها، ثم هذه الفوضوية في العمل وبعثرة الأولويات لا تؤتي ثمارا مباركة في بيتها ولا على أولادها وزوجها، و لربما تهدم وتدمر ما حولها وهي تبني في موضع آخر، وتنسى قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).
11- الدعوة والإرشاد مسؤولية الأخوات من خريجات الشريعة في المقام الأول.. لأنهن قد حصلن على أساسيات العلم ولبناته الأولية، لا أن يترك هذا المقام المهم لتلك الأخت التي لم تنل الحصيلة المناسبة من العلم الشرعي.
12 - الفتيا وبيان الحلال والحرام مسألة جسيمة وقضية عظيمة ينبغي أن تبتعد عنها الأخت الداعية، التي أجادت وأتقنت إلقاء محاضرات الوعظ وسرد القصص والحديث عن عذاب القبر والآخرة.. فقط، مع ضعف أدلتها في جانب الحلال والحرام.
فالفتوى توقيع عن الله، وبيان لما يحبه ويكرهه، ويريده، وليس ما تراه أو تظنه تلك الداعية فتفتي بما تحسبه يناسب الواقع فتتشدد أو تتساهل وفق جهل وقلة علم في العلم الشرعي؛ ولأنها أصبحت متصدرة مجالس الوعظ.
أخواتي الداعيات.. عالم ومجال الدعوة والإرشاد له ضوابطه وأسواره التي عليكن الانتباه إليها، فلا تقتحمنها إلا بعلم وبصيرة، وتذكرن قوله - تعالى -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
هذه جملة من النصائح أضعها بين أيدي الأخوات الداعيات، حرصا مني على توجيه طريقهن المبارك في الدعوة والإرشاد إلى الله - سبحانه -، واللـه الموفق إلى كل خير.