استشهاد خبيب الأنصاري
روى محمّد بن إسحق رحمه الله تعالى وغيره أنّ رهطاً من عضل والقارة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد غزوة أحد فقالوا: جاء رجال قبيلة عضلٍ ورجال قبيلة القارّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: يا رسول الله إنّ فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفهّمونا في الدّين، ويقرؤونا القرآن، ويعلّمونا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله ستةً من أصحابه وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنويّ، وهو أمير القوم، وخالد بن البكير الليثيّ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عديّ، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، فخرج مع القوم حتّى إذا كانوا على الرّجيع ماء لهذيل بناحية الحجاز فاستصرخوا عليهم هذيلاً، فأحاط بهم مائتا مقاتلٍ منهم مائة رامٍ فاستشهد منهم أربعة وأسر اثنان هما: خبيب بن عديّ، وزيد بن الدثنة، فأخذوهما وباعوهما إلى قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكّة، وكان الّذي اشترى خبيب بن عديّ رضي الله عنه حجير بن أبي أهاب التميميّ لقتله الحارث بن عامر بن نوفل في غزوة بدر
فلمّا خرج المشركون به كي يقوموا بقتله نصبوا خشبةً ليصلبوه فانتهى إلى التّنعيم فقال: إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين: فقالو: دونك، فصلّى ثمّ قال: (والله لولا أن تظنّوا إنّما طوّلت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصّلاة)، فكان أوّل من سنّ الصلاة عند القتل.
وبعد ذلك رفعوه على خشبة فلّما أحكموا ربطه، قال: (اللهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلّغ الغداة ما يصنع بنا)، ثمّ قال: (اللهمّ احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً)، وقد كان لهذا الدّعاء أثرٌ على من حضر قتله.
وحدّثنا محمّد بن اسحق في السيرة النبويّة أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر على بعض الشّام، فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري القوم، فذُكر ذلك لعمر بن الخطاب وقيل إنّ الرجل مصاب، فسأله عمرربن الخطّاب في قدمة قدّمها عليه فقال: يا سعيد، ما هذا الّذي يصيبك؟فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأسٍ ولكنّي كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل، وسمعت دعوته، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي عليّ.