بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عامة الناس يبحثون عن راحة البال وسعادة النفس وسرور القلب، ويهربون من الهمّ والغمّ وضيق الصدر، ولكنّ كثيرًا منهم لا يهتدي إلى البوابة الصحيحة كي يدخل منها إلى رحبة الراحة التي ينشدها.
قابل إن شئت أيّ مهموم أو مغتم تجدُه إذا بث لك حزنه وشكواه إذا هي بسبب كلام الناس فيه وحديثهم وقيلهم، وتراه مشغولَ البال بما قالوه فيه، ويبحث عن حلٍّ عند الناس لما يعانيه من تعب نفسي بسببهم، ثم تجدُه يخضع لأناس آخرين ويُشغَل بهم ليقفوا معه في صلاح نفسه ونصرته على أولئك، فيبقى في تعب مع أولئك في تحليل كلامهم وتحميله ما لا يحتمله من الظنون السيئة، وفي تعب مع هؤلاء في إرضائهم وبذل ما يستطيع لهم وتقديم الخدمات لهم لمجرد تعاطفهم معه في معركته مع السابقين.
وإذا جالسته تجده كثيرًا ما يردد في حديثه عن مشكلته: لقد قالوا لي كذا وكذا، وما اكتفوا بذلك حتى فكروا بإيذائي بكذا وكذا، ولم يقتصروا على هذا بل ينوون أمرًا أشد وأعظم وأكبر، وشُغِل أخونا الكريم عن مصالحه العامة والخاصة بمتابعة وتأويل وتحليل كلام الخلق، ولو علم حبيبنا أنّ الخلق لم يسلم منهم الخالق جلَّ في علاه وهو المنعم الحافظ المتفضل عليهم ولا يستغنون عنه لمحة بصر، فكيف بغيره من الخلق الضعاف المحاويج، ولهذا قال العلماء: من ظنّ السلامة من الخلق فلا عقل له، وذكروا أنّ الحل والراحة الحقيقية التي يجهلها أمثالُ هذا الأخ المشغولِ بالُه بالناس هو اطِّراح المبالاة بكلام الخلق واستعمال المبالاة بكلام الخالق، وذلك بابٌ عظيم من أبواب العقل والراحة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين