نماذج من آيات يساء فهمها في القرآن الكريم سنعرض نماذج مما يساء فهمه
الأنموذج الأول ممَّا يساء فهمه قوله جلَّ وعلا:
« وذا النون إذ ذهب مغاضباً
فظَّن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين »
فيتوهم بعض الناس أن ذا النون
وهو يونس عليه السلام
لما ذهب مغاضبا قومه
حين أصروا على الكفر والعصيان
ظن أن الله لن يقدر على الإمساك به
أو الإحاطة بمكان وجوده وفراره
وهو فهم خطر تزل به الأقدام بعد ثبوتها
فهو يقتضي أن ذا النون يشك في قدرة الله
وقوته وسعة علمه وإحاطته
وهذا ينزه عنه الأنبياء
الذين أجمعت الأمة على عصمتهم
وحصانتهم من هذا المآل الخطير !!
أما المعنى الصحيح للآية:
فيتضح لنا حين ندرك أن يونس عليه السلام
قد بذل قصارى جهده في دعوة قومه
ومعالجتهم أشدّ المعالجة فقابلوه بالتكذيب والعصيان
كعادة المستكبرين في كل زمان ومكان
حتى إذا أحسَّ بقسوة قلوبهم وصلف عنادهم
وشعر بقرب عذابهم وهلاكهم
تركهم وفارقهم غضبا لله تعالى
وسخطا لصنيعهم وسوء تصرفهم
فظن أن الله لن يقدر عليه أي:
أن الله لن يضيق عليه ويؤاخذه على تركه قومه
وفراره منهم إذا فمعنى يقدر عليه في الآية أي :
يضيق عليه يشهد لذلك قوله تعالى:
« لينفق ذو سعة من سعته
ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله »
أي : من ضيق عليه رزقه
فلينفق مما آتاه الله
فتنبه أخي المسلم إلى المعنى الصحيح
وعض عليه بالنواجذ وإياك وسوء الظن
بأنبياء الله المكرمين ورسله المخلصين!!
النموذج الثاني : مما يساء فهمه من كتاب الله
فهو قوله تعالى :
« أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم
الأرض فإذا هي تمور »
ونحوها من الآيات التي يصف الله تعالى نفسه
بأنه في السماء !!
وينصب سوء الفهم في هذه الآية ومثيلاتها
على الاعتقاد المخيف بأن الله تعالى
موجود داخل السماء المخلوقة
وهذا فهم خطير يتنزه الباري جل جلاله عنه
إذ مقتضاه أنَّ الله يحلُّ في شيء من مخلوقاته
وتحيط به سماواته وهذه هي عقيدة
أهل الحلول والاتحاد التي هي من أعظم العقائد إلحادا !!
فحذار، حذار أن تعتقد بالرب ما لا يليق
فتكون كالذي خرَّ من السماء فتخطفه الطير
أو تهوي به الريح في مكان سحيق !!
والمراد من قوله في السماء:
أي على السماء لأنه في ليست ظرفيه
وإنما هي تفيد العلو أي بمعنى ( على )
ومثل هذا قول الطاغية لمؤمني السحرة :
لأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل
وقول الباري جلَّ جلاله:
فسيروا في الأرض أي على الأرض
الأنموذج الثالث : مما يساء فهمه من كتاب الله
فهو قوله تعالى :
«
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وابتغوا إليه الوسيلة
وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون »
فقد زعم كثير أن المراد بالوسيلة في الآية
هو الشيخ أو الولي أو النبي
الذي يكون واسطة بينهم وبين ربهم جلَّ وعلا
ولذا رأيتهم يرتكبون إحدى ضلالتين
إما أن يتوسلوا بدعاء الشيخ أو الولي
أو النبي ويستغيثوا به ويطلبوا منه النصر
وهذا شرك أكبر .
وإما أن يدعو الله متوسلين بجاه الولي
أو بجاه النبي أو بذات الولي أو بذات النبي
أو بحق الولي أو بحق النبي
فهذا التوسل وأمثاله بدعة .
والمراد بالوسيلة في الآية:
هو التقرب إلى الله بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد
مع الإخلاص الشديد فذاك وحده
هو الطريق الموصل إلى رضا الله جلَّ جلاله
ونيل ما عنده من الخير والمثوبة !!
النموذج الرابع مما يساء فهمه كذلك
فهو قوله تعالى :
« و
لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول
لوجدوا الله توابا رحيما »
فقد فهم بعض الناس أن المراد من الآية :
ولو أنهم يا محمد إذ ظلموا أنفسهم بارتكاب الذنوب
واقتحام العاصي وفعل الموبقات
جاءوا إلى قبرك فطلبوا منك أن تستغفر لهم
فاستغفرت لهم لوجدوا الله توابا رحيما
لذا رأيت أولئك المساكين يحيطون بقبر النبي
ويقصدونه من كل فج عميق يطلبون منه أن يستغفر لهم
مرددين التوسلات الشركية
أما المعنى الصحيح في تفسير الآية:
ولو أنهم يا محمد إذا ظلموا أنفسهم
بما ارتكبوه من الذنوب والخطايا
جاءوك في حال حياتك،
فدعوت الله لهم أن يتجاوز عنهم
ويغفر لهم لوجدوا الله توابا رحيما
وبذا يعلم أن دعاء النبي بعد موته وطلب استغفاره
شرك أكبر فتنبه لذلك يرحمك الله.
أما النموذج الخامس:مما يساء فهمه من كتاب الله
فهو قوله جلَّ وعلا
« ي
ا أيها الذين امنوا لا تأكلوا الربا
أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون »
فيفهم بعضهم أن الآية نص في تحريم الربا المضاعف فقط
وصورته أن يأتي المرابي إلى المقترض فيقول:
أوفني وإلا أربني أي:
إما أن تقضي ما عليك من الدين
وإما أن تربي فإن قضاه
وإلا زاد في المدة وزاد الآخر في الفائدة
وهكذا في كل عام فربما تضاعف القليل
حتى يصير كثيرا مضاعفاً !!
أما إذا كان الربا غير مضاعف بل كان ثابتاً بسيطاً
كاثنين بالمائة أو خمسة بالمائة
لا تزيد بتأخر السداد فهذا عندهم لا بأس,
ولعمرك إن هذا لهو الضلال المبين !!
وقد أدى هذا إلى إباحة ربا البنوك وفوائدها
واعلم رعاك الله أن الربا حرام كله
البسيط منه والمركب.
وليس في الآية ما يدل على أن المحرم
هو الربا المضاعف فقط
لأنها نزلت تصف الوضع السائد في الجاهلية آنذاك
فقد كان أغلب الربا من هذا النوع
ولا يعني هذا أن ما عداه حلال أو مباح .
فالأنموذج السادس :مما يساء فهمه
فهو قوله تعالى :
«
إنما يخشى الله من عباده العلماء
إن الله عزيز غفور »
فيفهم بعضهم أن العلماء المذكورين في الآية
الموصوفين بخشية الله تعالى هم علماء الفلك
أو الطب أو نحوهم من علماء الطبيعة
والعلوم الدنيوية وهذا خطأ كبير
وإنما المراد بالعلماء في الآية :
هم علماء الشرع والدين
وليس علماء الشرع كلهم
وإنما العلماء العاملون منهم فقط .
فهم المنتفعون بعلمهم في الغالب
وهم الذين يخشون الله ويراقبونه
النموذج السابع: مما يساء فهمه من كتاب الله
قوله جل وعز :
« وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح
أن تقصروا من الصلاة ...
إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا .. الآية »
فيظن بعض الناس أن رخصة قصر الصلاة
للمسافر هي في حال الخوف من العدو فقط
وهذا خطأ بيّن لا دليل عليه
فللمسافر أن يترخص بقصر الصلاة
حال السفر سواء في حال الخوف أو الأمن
وغاية ما في الآية
أنها تحكي الحالة الغالبة آنذاك
وهي حالة الخوف والقتال الدائر
بين المسلمين والكفار
ويشهد لذلك سبب نزولها حين صلى النبي
بأصحابه بعسفان صلاة تامة
فهم المشركون بهم فنزلت الآية .
المراجع
رياض العلم