الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
نستكمل معا أصول الوصول إلي الله تعالي لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب
♡♡الأصل الثالث: ما لا يكون بالله لا يكون
وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم♡♡
1)ما لا يكون بالله لا يكون:
العبد ضعيف.. خلق في الاصل محتاجا فقيرا قال تعالي:
(وخلق الانسان ضعيفا) بأصل خلقتك ضعف.
وقال تعالي: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكي منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء).
الله هو الذي يصطفي ويختار فالسير في الطريق إلي الله مبني علي الاصطفاء والاختيار فإذا اختارك واصطفاك هيأك.
☆إن كثيرا منا حين يسير في الطريق إلي الله فيصيبه الفتور أو يفتن فيتراجع يظل طيلة الوقت يسأل عن السبيل إلي الرجوع، ويعلم أسباب الرجوع ويأخذ بالأسباب وينسي الله، فلا تؤتي الأسباب ثمرتها..
تقول له: افعل كذا ، يقول : فعلت ولم أجد فائدة .
نعم فعل ولم يستعن بالله فلم توجد ثمرة ولا توجد ولن توجد إلا بالله.
وتأمل معي هذا الحديث العظيم ليثبت يقينك في هذه القاعدة: مالا يكون بالله لا يكون، وأضف إليها القاعدة الأولي والأصل الأول: عليك البداية وعليه التمام.
يقول الله تعالي في الحديث القدسي:
( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا؛ فاستغفروني أغفر لكم)
فاستعن بالله تعن واستهده تهد .. وهكذا: ما لا يكون بالله لا يكون.. فكن لله يكن لك .
2) وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم:
إخوتي في الله ما كان لغير الله اضمحل..يتلاشي كالرسوم علي رمال الشاطئ؛ تمحوها أمواج البحر... نعم: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
☆شجرة الصفصاف تقطع في ثلاثة أشهر ما تقطعه شجرة الصنوبر في ثلاثين سنة، ثم تقول لها: ما قطعتيه في ثلاثين سنة قطعته في ثلاثة أشهر ويقال لي شجرة ولك شجرة؛ فتقول لها الصنوبر:
اصبري حتي تهب رياح الخريف فإن ثبت لها تم فخرك.
نعم: هكذا أخي إذا هبت رياح الابتلاء فثبت لها تم فخرك.
إن السر الدفين إخوتاه لعدم القبول هو وجود حظ للنفس في العمل.
نعم: سل نفسك: عملك لمن؟
ألا تخاف من هذه الكلمة التي تقض المضاجع:
(عملت ليقال وقد قيل فلا اجر لك عندي، ثم يسحب علي وجهه إلي جهنم)
اعلم أخي أنك إذا صليت ثم خرجت فلم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر اعلم أنك ما صليت لله، فلو صليت له لأعطاك الثمرة، وإذا حفظت القرآن فلم تزجرك نواهيه ولم تلزمك أوامره؛ فاعلم أنك لم تحفظه لله. فالله شكور يشكر علي القليل.. إذا عملت له عملا لابد أن يثبتك ويشكرك عليه ويعطيك منه، فإذا لم تعط فاتهم عملك فإن المعبود كريم.
☆فالإخلاص الإخلاص إخوتاه.. الإخلاص وإلا الضياع.. الإخلاص نور الطريق.
قال الإمام أبو حنيفة: الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم قال تعالي:
(أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده)
وانطلاقا من هذا الكلام الطيب؛ فإن الحديث عن الإخلاص والمخلصين يزيد الإخلاص وهاك طرفا منه:
1) الصلاة:
☆قال تميم بن مالك: كان منصور بن المعتمر إذا صلي الغداة؛ أظهر النشاط لأصحابه ، فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائما علي أطرافه، كل ذلك يخفي عليهم العمل.
☆قال أبو إسحاق كعب الأحبار صاحب الكتب والأسفار:
من تعبد لله ليلة حيث لا يراه أحد يعرفه؛ خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته.
2) صدقة السر:
☆وهذا زين العابدين علي بن الحسين: يحمل جراب الخبز علي ظهره بالليل، فيتصدق به، ويقول : إن صدقة السر تطفئ غضب الرب.
و لما مات وجدوه يقوت مئة أهل بيت بالمدينة.
ولما جاءوا يغسلونه وجدوا بظهره آثار سواد، فقالوا : ما هذا؟
فقيل :كان يحمل جرب الدقيق ليلا علي ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
3) الصوم:
☆وإذا ذكر الصوم وإخفاؤه ،فاذكر داوود بن أبي هند.. صام أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، وكان خزازا، يحمل معه غذاءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيا فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ، ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.
☆ قال إبراهيم بن أدهم:
لا تسأل أخاك عن صيامه فإن كان قال: أنا صائم فرحت نفسه، وإن قال: أنا غير صائم حزنت نفسه، وكلاهما من علامات الرياء، وفي ذلك فضيحة للمسئول واطلاع علي عوراته من السائل.
4) الذكر وقراءة القرآن:
☆قال ابن الجوزي:
كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه.
☆وكان الإمام أحمد يقول: أشتهي ما لا يكون..أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس.
5) البكاء:
☆ قال الثوري:
البكاء عشرة أجزاء ؛ تسعة لغير الله، وواحد لله، فإذا جاء الذي لله في السنة مرة فهو كثير.
☆ وقال سفيان بن عيينة:
أصابتني ذات يوم رقة فبكيت ، فقلت في نفسي: لو كان بعض أصحابنا لرق معي، ثم غفوت، فأتاني آت في منامي ، فرفسني، وقال: يا سفيان، خذ أجرك ممن أحببت أن يراك!!
6) العلم:
☆ قال الشافعي:
وددت أن الخلق تعلموا هذا (يعني علمه) علي أن لا ينسب إلي حرف منه.
☆ وقال عون بن عمارة : سمعت هشاما الدستوائي يقول:
والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل.
قال الذهبي: (والله ولا أنا)...فاللهم اعف عنا!!
7) أصحاب السرائر والخوف من الشهرة:
☆قال ابن المبارك عن إبراهيم بن أدهم:
صاحب سرائر وما رأيته يظهر تسبيحا، ولا شيئا من الخير، ولا أكل مع قوم إلا كان آخر من يرفع يده.
☆ وكان محمد بن يوسف الأصبهاني (عروس الزهاد) لا يشتري زاده من خباز واحد. قال: لعلهم يعرفوني فيحابوني، فأكون ممن أعيش بديني.
☆ وسفيان الثوري
الذي قال عنه الإمام أحمد : أتدري من الإمام؟، الإمام سفيان الثوري لا يتقدمه أحد في قلبي..
كان رحمه الله لا يترك أحدا يجلس اليه الا نحو ثلاثة أنفس فغفل يوما فرأي الحلقة قد كبرت فقام فزعا، وقال: أخذنا والله ولم نشعر، والله لو أدرك أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مثلي وهو جالس في هذا المجلس لأقامه، وقال له: مثلك لا يصلح لذلك.
☆ وكان يقول : كل شئ أظهرته من عملي فلا أعده شيئا ؛ لعجز أمثالنا عن الإخلاص إذا رآه الناس... رحمك الله يا سفيان ولله درك يا إمام فكم علمتنا أن نكون لله.
☆ مر الحسن البصري علي طاوس وهو يملي الحديث في الحرم في حلقة كبيرة فقرب منه ، وقال في أذنه : إن كانت نفسك تعجبك فقم من هذا المجلس ، فقام طاوس فورا.
☆ وقال بشر :
لا ينبغي لأمثالنا أن يظهر من أعماله الصالحة ذرة ، فكيف بأعماله التي دخلها الرياء ؟! فالأولي بأمثالنا الكتمان!
☆إخوتاه، أطلنا الكلام مع المخلصين لأهميته ؛ فبدون الإخلاص لا يكون للأعمال أي قيمة.
إخوتاه ، ما لا يكون بالله لا يكون ، وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم.. فاستعينوا بالله وأخلصوا لله والزموا ( إياك نعبد وإياك نستعين) ؛ تصلوا إلي الله تعالي بأمان واطمئنان.
الحمد لله رب العالمين.