من منا لم يشاهد المسلسل المشهور رأفت الهجان الذي يحكي عن الجاسوس المصري الذي عاش ومات في اسرائيل أثناء الحروب بين مصر وإسرائيل ولكن القليل منا لا يعرف القصة الحقيقة ، رأفت الهجان هو الاسم الحركي للمواطن المصري رفعت على سليمان الجمال المولود عام 1927 ميلادية في مدينة دمياط وتوفى عام 1980 ميلادية، كان أبوه يعمل تاجرًا لبيع الفحم بالجملة وكانت أمه من عائلة راقية تتحدث الفرنسية والإنجليزية حيث أنها تربت في مدارس خاصة بعد وفاة والده اعتنى بيه أخوه سامي الذي كان يعمل مدرس للغة الإنجليزية لأخوة الملكة فريدة وكان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة.
بداية حياة رفعت الجمال :
بعد وفاة الأب انتقلت الاسرة للعيش بالقاهرة والتحق رفعت بمدرسة التجارة المتوسطة في عمر 14 عام، بناءًا على ضغط الأسرة حيث رأت أنه لم ينجح في التعليم الجامعي، في المدرسة انبهر بالبريطانيين وكانت يتحدث الإنجليزية باللهجة البريطانية ، كان طالبًا مستهترًا لا يهتم بالدراسة رغم كل محاولات أخيه ولكنه كان يهوى اللهو والسينما والمسرح حيث أن الممثل بشارة واكيم أخذه معه بالفعل في ثلاث أفلام بعدما اقنعه بمواهبه الفنية وبعدما تعلم البريطانية تعلم أيضًا الفرنسية باللهجة الباريسيه ثم تخرج من المدرسة عام 1946 م ثم عمل في شركة بترول أجنبية تعمل في البحر الأحمر ، وقع الاختيار عليه بسبب اتقانه للغة الانجليزية والفرنسية وسرعان ما تم طرده من الوظيفة بسبب اختلاسه لأموال الشركة ، بعدها عمل ضابط لحسابات السفن على سفينة الشحن المسماه حورس وبعدها بأسبوعين غادر مصر لأول مرة في حياته على متن السفينة حورس , طاف بين بين الموانئ: نابولي، جنوة، مارسيليا، برشلونة، جبل طارق، طنجة ورست السفينة في ليفربول وجد في المدينة عرض مغري للعمل في شركة سياحة تسمى سلتيك تورز ثم بعد فترة غادر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة دخول وبدأت إدارة الهجرة تطارده غادر إلى كندا ومنها إلى ألمانيا واتهمه القنصل المصري ببيع جواز سفره ورفض إعطاءه وثيقة سفر وألقت الشرطة الألمانية القبص عليه وحبسه ثم رحل قسرًا إلى مصر تحول لحالة من اليأس والإحباط إلى أن جاءت له فرصه للعمل بقناة السويس تتناسب مع إتقانه للغات الانجليزية والفرنسية ولكنه كان لا يمتلك أي وثائق ولا هوية بدأ بتزوير جواز سفر وهوية باسم على مصطفي وعمل في قناة السويس حتى قيام ثورة 1952 م ترك العمل بعدما بدأ البريطانيون في مراجعة الأوراق ثم حصل على جواز سفر مزور لصحفي سويسري يسنى تشارلز دينون وبدأ ينتقل من اسم إلى اسم اخر حتى تم القبض عليه من قبل ضابط بريطاني أثناء سفره إلى ليبيا بعد التطورات السياسية الحادثة عام 1953 م شك الضابط أنه يهودي و تم تسليمه للمخابرات المصرية وبدأ التحقيق معه على أنه شخصية يهودية .
قال رفعت الجمال في مذكراته عن تلك الفترة ” وبعد أن قضيت زمنًا طويلاً وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسرورًا الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما. وهكذا شرعت أحكي لحسن حسني كل شيء عني منذ البداية. كيف قابلت كثيرين من اليهود في استوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلا. وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في “إنجلترا” و”فرنسا” و”أمريكا”، ثم أخيرًا في “مصر”. بسطت له كل شيء في صدق. إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته”
بداية العمل مع المخابرات المصرية :
كانت التهمة الموجه إليه عند رجوعه مصر والتحقيق معه على أن ضابط مخابرات يهودي يسمى ديفيد دارنسون كان يحمل جواز بريطاني باسم دانيال كالدويل وتم العثور على شيك موقع باسم رفعت الجمال في حوزته وكان يتكلم اللغة العربية بطلاقة، وكان الضابط المسئول عن استجوابه هو حسن حسنى من البوليس السري المصري وبعد استجواب مطول اعترف رفعت بهويته الحقيقة وكشف عن ما مر بيه من أحداث وأهمها اندماجه مع الجليات اليهودية حتى أصبح جزء منهم..
واعترف أيضًا على اندماجه مع المجتمع البريطاني والفرنسي و تم التأكد من هوية رفعت الجمال و عرض الضابط بعد محاولات من الشد واللين عرض أما السجن أو محو الماضي تمامًا بينما فيه شخصية رفعت الجمال وبداية مرحلة جديدة يكون فيها يهودي والعمل لصالح المخابرات المصرية الحديثة التكوين في هذه الفترة، وبعد موافقته تم تدريبه وبدوا بشرح علم الاقتصاد وأهداف الثورة وسر نجاح الشركات متعددة القوميات وأساليب اخفاء الضرائب ووسائل تهريب الأموال ، تاريخ اليهود وديانتهم وعادات وسلوكيات اليهود والفرق بين اليهود الاشكناز والسفارد وغيرهم من اليهود، والتدريب على القتال والاشتباك والكر والفر والتصوير تحميص الأفلام وحل الشفرات والتدريب على فك شفرات حل رسائل المخابرات والكتابة بالحبر السري وطرق تشغيل موجات الراديو وحمل السلاح الصغير وصناعة القنابل وإلى أن انتهى و اصبح اسمه جاك بيتون المولود عام 1919 من أب فرنسي وأم ايطالية وديانته اليهودي الانشكنازي وأصبح له جواز سفر اسرائيلي من تل أبيب ثم انتقل للعيش في حي في الاسكندرية يسكنه طائف اليهود وحصل على وظيفة مرموقة في إحدى شركات التأمين وانخرط في العيش وسط اليهود حتى أصبح واحدًا منهم.
وانضم وهو في الاسكندرية إلى الوحدة اليهودية التي انشأها الكولونيل اليهودي إبراهام دار لحساب المخابرات الاسرائيلية وكان أفرادها يقومون بعمليات تخربيه ضد المنشآت الأمريكية والأجنبية كان زميل لعدد من الأسماء شديدة الأهمية منها إيلي كوهين الجاسوس الذي احتل منصب شديد الحساسية في سوريا وأثناء مشواره عمل الجاسوس في محطات هامة ما بين فرنسا وايطاليا والعراق زارها رسميًا عام 1965 م في عهد الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف كان من ضمن العناصر النشطة ضد اسرائيل،
يقول رفعت الجمال في مذكراته عن تلك الفترة ” مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي. لم أكن أتصور أنني ما أزال مدينًا لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات. فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد. فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قُبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائيًا والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتًا مع العملاء الأجانب. يستجوبونهم ثم يقتلونهم. ولست مشوقًا إلى ذلك. ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دورًا في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور “جاك بيتون”. أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية. وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟… لقد اعتدت دائمًا وبصورة ما أن أكون مغامرًا مقامرًا، وأحببت مذاق المخاطرة. وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي. سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يُقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة الأوسكار”
استقل سفينة عام 1956 م متجهًا إل نابولي ثم أرض الميعاد بعدما تسلم من المخابرات المصرية مبلغ 3000 دولار، و كان من أهم الإنجازات التي قام بها خلال فترة تواجده في اسرائيل ، تزويد مصر بمعلومات عن العدوان الثلاثي وتزويد مصر مواعيد الهجوم قبل 1967 ولكن المعلومات لم يتم أخذها بجديه و ابلاغ مصر باعتزام اسرائيل بعمل تجارب نووية والعديد من المعلومات التي ساعدت في حرب اكتوبر وكان على علاقة وصداقة مع موشى ديان ، كتب الهجان مذكراته وتركها لدى المحامي على أن يسلمها لزوجته بعد وفاته بثلاث سنوات حتى تفهم حقيقة زوجها الي عاش معها كل تلك السنوات عاد على مصر وأخذ امتياز التنقيب على البترول عام 1977م ولكنه اصيب بمرض خبيث وتلقي العلاج الكيميائي وكتب وصيته وضع فيها مبالغ لأخيه سالم وحبيب وأخته الشقيقه والمبالغ المتبقية لخدمة الوطن المصري .
عمل بعد العودة إلى مصر في مجال البترول وأسس شركة أجيبتكو وأعطى السادات التعليمات لوزير البترول بالاهتمام بشخصية الرجل جاك بيتون دون الإفصاح عن شخصيته لم يجد إلا بئر مليحة المهجور، وله ابن واحد من زوجته الألمانية و توفى عام 1982 بعد الإصابة بمرض السرطان في مدينة دارمشتات القريبة من فرانكفورت الألمانية
قصة العميل المشترك :
صدر عام 2002 م كتاب يسمى كتاب الجواسيس في اسرائيل من تأليف ايتان هابر الذي عمل لسنوات طويلة مع رئيس الحكومة اسحق رابين ويحكي الكتاب قصة 20 جاسوس من ضمنهم رفعت الجمال وقال أن الكتاب مغاير تمامًا لما قالته المخابرات المصرية وقال أن اسرائيل عرفوا حقيقته من البداية وجندوه كعميل وجاسوس لهم على مصر وأن المعلومات التي نقلها قامت بالقبض على شبكات تجسس مصرية عديدة في اسرائيل ولكن المخابرات المصرية قالت أنه كان مواطنًا مصريًا مخلصًا وأعطى لوطنه الكثير لو أن اسرائيل كما تزعم لعرفت بالاستعدادات المصرية للهجوم عام 1973 م