خيرة مولاة أم سلمة
"والدة الزّاهديْن"
والدة الحسن البصري
إن صحبة الصالحين والأخيار لَتبثّ في وجدان الإنسان خيراً ونوراً يسعيان بين يديه، ويسريان مع دمائه، وينتقلان إلى أقرب الناس إليه، كيف لا وهو يقبس في ذلك من هدي الله عز وجل حين قال ) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( (1)
فملازمة مجالس الأخيار تفيض على المرء علماً من علمهم، وهدياً من هديهم، وشعاعاً من نورهم، فكيف بمن يُلازمهم ليل نهار، يطّلع على أحوالهم، ويتأسّى بهم في جميع أمورهم.
وقد شاء الله لـ"خيرة" مولاة أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها أن تكون من أهل السعادة بملازمة مولاتها والقيام على أمورها مما أتاح لها الفرصة أن تنهل من علمها وحديثها وفقهها، فتخرّجت من تلكم المدرسة الرائعة
وأضحت أمّاً لخيرة زهاد الأمة، وهما:
الحسن بن أبي الحسن يسار البصري التابعي، وسعيد بن أبي الحسن يسار البصري.
فقلد أثرّت هذه المدرسة على خيرة في تربيتها لابنيها تربية صالحة رضعا بها من معين فريد، هو معين مدرسة أمهات المؤمنين والنبوة الشريفة.
فقد عملت على تلقين أولادها العلم ولم تنشغل بخدمة أم سلمة رضي الله عنها عن رعاية زوجها وتربية أبنائها، بل إنها نالت وأبناؤها شرفاً عظيماً باحتضان أم سلمة لأبنائها حال انشغالها عنهم، إذ روي أن
( ... أن أمّه –أي الحسن البصري- كانت ربما غابت فيبكي الصبي، فتعطيه أم سلمه ثديها تُعلله به إلى أن تجيء أمه، فدرّ عليه ثديها فشربه، فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك...).
بل كانت أم سلمة رضي الله عنها تصحب الحسن البصري إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو صغير- وأمه منقطعة إليها تخدمها فكانوا يدعون له، فأخرجته إلى عمر، فدعا له وقال:
"ا
للهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس".
وكان لتلك الصحبة – صحبة أم سلمه- أثر واضح في علم الحسن البصري، فأضحى سيد أهل زمانه علماً وعملاً، وأشهر شيوخ البصرة وزهادها.
وكذلك كان ابنها سعيد بن أبي الحسن الذي يعد من ثقات التابعين وأحد الرواة المحدثين.
ولم يقتصر تلقين "خيرة" علمها لأبنائها فحسب؛ بل كانت تُعلم النساء دينهن، فقد أورد ابن سعد عن أسامة بن زيد عن أمه أنها قالت:
"
رأيت أم الحسن تقصّ على النساء"
كما روى عنها –غير ابنيها- زيد بن جدعان، ومعاوية بن قرة المزني، وحفصة بنت سيرين.
ويبدو أنها عُمّرت طويلاً حتى إنها رأت ابنها الحسن وهو شيخ كبير فداعبته قائله إنك كبرت وخرّفت" ولعلها توفيت في أواخر القرن الأول الهجري أو أوائل الثاني الهجري، لأن الحسن توفي سنة عشر ومئة من الهجرة (2)
بقلم
د. شادن أبو صالح
(1) آية (28)، سورة الكهف.
(2) انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى، 7/156،157، 8/476، دار صادر، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/564،565، مؤسسة الرسالة، وابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 69،70،72، دار صادر، وابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، 12/416، دار الكتابر الإسلامي.