وإنـمـــا أولادُنــــا بيننــــــا أكــــبادُنـا تمـشـي علـى الأرضِ.
لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم لامتنـــعتْ عيـني من الغَمْـــضِ
هكذا وصف الشاعر حب الأبوين لأبنائهما، ومن صعوبات الحياة الجمة والابتلاءات الإلهية الشديدة على أي من الأبوين رؤيتهما لأحد أبنائهم مريضًا أو متألمًا أو معانيًا لأي ضيق جسدي أو نفسي.
وهكذا فإن ولادة طفل معاق ذهنيًا أو اكتشاف ذلك بعد ولادته أو اكتشاف إعاقة جسدية يعاني منها الصغير أو أيٍ من ذلك تجلب الحزن للأبوين والأسرة بل للعائلة بأسرها، لكن إن اختار الله لعبده هذا البلاء فلا راد لقضائه، وعلى الأبوين استيعاب الصدمة وتقبل هذا القدر ثم التفكير في كيفية التعامل مع الأمر كما ينبغي بدلًا من الهروب منه أو عدم مواجهته.
أولًا: كيف تكتشفين إعاقة طفلك
الإعاقة البصرية
يُنصح بإجراء فحص دوري للطفل فور ولادته ودوريًا بعدها، ففي الغالب لا تظهر الإعاقة الجسدية أمام الأم إلا بعد فترة، وهكذا فإن الفحص الدوري يساعد في كشف أي نوع من الإعاقة الجسدية مبكرًا. وتعتبر الإعاقة البصرية من الإعاقات التي يمكن للأم ملاحظتها مبكراً عندما تلاحظ عدم استجابته للألوان والأضواء في عمر الشهرين.
وتختلف بالطبع درجة الإعاقة البصرية ومدى قابليتها للعلاج أو التحسن، لذا نكرر ضرورة خضوع الأطفال لفحص بصري بعد الولادة، ثم في الشهر السادس، ثم كل عام.
أعراض إصابة الطفل بإعاقة بصرية:
مظهر العين غير طبيعي
تقليب الطفل لعينيه بشكل مستمر (لأن الطفل الطبيعي يقلبها بين الحين والآخر وليس بشكل مستمر)
فرك الطفل لعينينه
حول أو تحرك حدقة إحدى العينين في اتجاه معاكس.
عدم استجابته للضوء أو اللون
الإعاقة السمعية
نكرر ضرورة إجراء فحص دوري للطفل فور ولادته ودوريًا بعدها، إذ تحتاج الإعاقة السمعية لاكتشاف مبكر وسرعة التدخل ويمكن للأبوين اكتشافها في وقت مبكر أكثر من الإعاقة البصرية. وتختلف درجتها ومدى قابليتها للعلاج أو التحسن.
هناك مجموعة من العلامات تساعد الوالدين في معرفة ما إذا كان الطفل يعاني من مشكلة في السمع، أو أنها إعاقة سمعية.
علامات اكتشاف الإعاقة السمعية عند الطفل:
في عمر الرضاعة، تظهر المشكلة مبكرًا فتلاحظ الأم عدم استجابة الرضيع لأي صوت مزعج بجانبه لا وقت يقظته ولا وقت نومه فلا يفزع للصوت العالي مثلًا، ولا يهدأه صوتها عندما تقترب منه عند بكائه فلا يتوقف إلا عندما تدخل حيز نظره أو عندما تحمله
فيما بعد في العمر الأكبر، تظهر بعض المشكلات الأخرى –إن كانت المشكلة فقط ضعف في السمع أما إن كانت إعاقة كاملة ففي الغالب ستظهر في الشهور الأولى من عمره- مثل عدم استجابة الطفل للصوت حتى لو استمر كالنداء أو الهاتف.
وجود صعوبة عند الطفل في فهم ما يقال له.
رفع صوت التلفاز أو المسجل جدًا.
أيًا كان وقت ملاحظتك لهذه العلامات، استشيري الطبيب واختاري طبيبًا متمرسًا، وإن لاحظت أي من أعراض الإعاقة البصرية أو السمعية في عمر الشهور الأولى على طفلك، عليك استشارة طبيب متخصص بل عدة أطباء للتأكد فالإعاقة ليست أمرًا يمكن التهاون فيه وربما كانت درجتها بسيطة يمكن التغلب عليها وعلاجها.
الإعاقة الفكرية
هناك العديد من أسباب حدوث الإعاقة الذهنية للأطفال مثل عدوى تصيب الأم أثناء الحمل كالدرن أو الحصبة الألمانية أو ربما يكون الأمر وراثيًا في العائلة، وأحيانًا يكون السبب حدث أثناء الولادة مثل نقص في الأوكسجين بسبب ولادة متعسرة أو نزيف بالمخ، وكذلك بعد الولادة مثل إصابة الرضيع بالتهابات في الجهاز العصبي أو أنسجة المخ أو الالتهاب السحائي أو إصابة في الرأس أو غير ذلك.
يكتشف الطبيب أحيانًا الإعاقة الفكرية عند الولادة وبعدها مباشرة مثل حدوث شيء أثناء الولادة كاختناق الطفل وغيرها، وأحيانًا بسبب ظهور علامات مميزة كأطفال متلازمة داون وغير ذلك. وفي أحيانٍ أخرى لا يظهر ذلك مبكرًا، لكن الإعاقة الفكرية كغيرها لها علامات مبكرة ولها درجات فكيف يمكن للأم اكتشافها إن وجدت.علامات اكتشاف الإعاقة الفكرية عند الطفل:
أولى العلامات تأخر التطور الاجتماعي للطفل كتأخر القدرة على الابتسام أكثر من ثلاثة شهور
تأخره في تعرفه على أمه، ثم على أفراد المنزل كالأب والإخوة.
عدم استجابته للمداعبة والملاعبة
تأخرالطفل في الكلام
تأخر الطفل في التحكم في عملية الإخراج.
من المهم التأكد من عدم إصابة الطفل أولًا بإعاقة جسدية قد تكون هي السبب في عدم استجابته مثل الإعاقة السمعية أو البصرية، فإن لم يوجد وجب استشارة الطبيب والتأكد من تشخيص الحالة على أنها إعاقة عقلية.
والإعاقة العقلية درجات أيضًا وليست جميعًا سواء، لكن الطفل في المجمل يحتاج إلى رعاية كاملة، وغالبًا لا يلتحق بالمدارس العادية وإنما بمدارس خاصة بالتربية الفكرية.
في حالات التخلف العقلي الوراثي فقط، يمكن منع حدوثها بخضوع العروسين لفحص ما قبل الزواج من الناحية الجينية والوراثية، وأحيانًا أثناء الحمل إذا تم تشخيص الحالة، فيمكن التعامل مع الطفل المصاب.
ثانيًا كيف تتعاملين مع طفلك المعاق جسديًا أو ذهنيًا؟
ينتظر الأبوان ويحلمان بمجرد زواجهما أو حدوث الحمل طفلهما على أحر من الجمر، ويحلمان بطفل جميل ذو صحة جيدة ويحدوهما الأمل لرؤيته والسعادة بوجوده ثم بنجاحه. ولكن إن ولد بإعاقة ما أو اكتشفها الأبوان فيما بعد، كان هذا بالنسبة لهما صدمة كبيرة تحطم حلمهما الجميل، وهذا حقهما الطبيعي ورد فعل منطقي جدًا، ويبدأ الحزن على هذا البلاء والقلق من مصير هذا الطفل المسكين في هذه الدنيا، أو ربما يحدث رفض للواقع وهروب منه وقد يقرر الأبوان إن كانا مقتدرين ماديًا إرسال الطفل لمؤسسة رعاية.
التقبل
جميعنا يعرف أن الأمر ليس سهلًا، لكن رفض الواقع ليس حلًا، وإنما تقبله والتفكير بالتعامل السليم معه هو الأنسب. على الأبوين أن يأخذا وقتهما تمامًا في الحزن والتعبير عن الضيق بل إن أرادا أن يلجأ كلاهما لاستشاري نفسي فليفعلا المهم أن يبدآ بعدها في التفكير في مستقبل حياة هذا الطفل الذي لا حيلة له فيما هو فيه والذي هو مسؤوليتهما تمامًا. ولا يجب أيضًا أن يملأهما خاصة الأم أي شعور بالذنب والشعور بأنها قد فعلت شيئًا أو أن خطأ ما أثناء الحمل كان هو السبب أو هو عقاب من الله لخطأ ارتكبه أحدهما، فمثل هذه المشاعر لن تجلب إلا الحزن وعدم التفكير المنطقي. الدنيا جميعًا مليئة لنا جميعًا بالعديد من الاختبارات الإلهية في صورة صعوبات في الحياة مختلفة ما بين هنا وهناك منها الوضع المالي أو الصحي أو الاجتماعي أو غيرها.
لذلك على الأبوين عدم تحميل أنفسهما أكبر من طاقتها وتقبل الأمر والتعامل معه فلكل ابن ميزة واختلاف حتى الابن المعاق، لأن مثل هذه المشاعر قد تحدث تدهورًا في نفسية الأبوين بل إنها قد تشكل أزمة بين الزوجين على مستوى علاقتهما الشخصية والعاطفية.
المعرفة بالحالة ووضع خطة التعامل
على الأبوين بعد أن يستفيقا من الصدمة الأولى، أن يستشيرا أحد الأطباء المتخصصين وإن أمكن أحد الأطباء النفسيين وأن يتعرفا على حالة ابنهما وعن كيفية التعامل معها وكيفية رعايته وتعليمه ليصبح طفلًا قادرًا على التكيف مع الحياة بأقل قدر من الرعاية.
لا يجب على الأبوين أن يشعر بالحرج من وجود الطفل المعاق أو من رؤية الآخرين له، فهذه أمور لا مبرر لها، ولو علم الأبوان عدد وإحصائيات عدد المعاقين في كل مجتمع لعلم أن ابنهما ليس الوحيد، بل ربما كان حالته أفضل بكثير من غيره.
كيف أربي الابن المعاق
إن كان الابن يعاني من إعاقة بصرية، وجب تعليمه كيف يتعامل ويعتمد على سمعه ثم تعليمه طريقة برايل وإدخاله مدارس مناسبة له وهكذا، وعلى الأبوين تعليمه الاعتماد على نفسه في المنزل وعدم رعايته والخوف عليه بطريقة زائدة عن الحد.
وفي حالة الإعاقة السمعية فسيتعلم لغة الإشارة وكذلك سيكون عليك تكييف المنزل ليتوائم مع الطفل كأن يوضع مصباح موصل بجرس الباب ليضيء عندما يدق أو غير ذلك.
وفي الحالتين، فإن هاتين الإعاقتين أفضل من الإعاقة الذهنية أحيانًا لأن هذا الابن يتميز بعقل واعٍ يمكنه من إدراك النجاح في المجتمع ألا تعرفين هيلين كيلر التي تغلبت على إعاقتها وكانت أفضل كاتبة ومحاضرة.
أما في حالة الإعاقة الذهنية، فربما يصبح الأمر أكثر صعوبة، لكنه ليس مستحيلًا ويتوقف بالطبع على درجة الإعاقة ونوعها فمثلًا أطفال متلازمة داون ودودين إلى أقصى حد ويمكنك تعليمهم بعض المهارات الفنية والشخصية.
نصائح عامة
لا تنسي أطفالك الآخرين من اهتمامك وحبك فأحيانًا يركز الأبوان اهتمامهما للطفل المعاق أو المريض ناسين تمامًا إخوته الأكبر أو الأصغر وهو ما قد يؤثر عليهم وعلى علاقتهم بك وبأبيهم وعلى علاقتهم بأخيهم المعاق. (أذكر عبارة لإحدى أمهات رسام مصري مصاب بالصمم وهي تحكي عن تجربتها أن أحد أخوته قال لها مرة كنت أحيانًا أتمنى لو كنت أصمًا كأخي كي تهتمي بي وتحبيني مثله.)
أشركيهم في الاهتمام بأخيهم أو أختهم
خصصي لكل منهم وقتًا ولو بسيط وابني معهم صداقة قوية
اشتركي في مجموعة واقعية أو افتراضية على الإنترنت مع أمهات معاقين من حالة ابنك واستفيدي من تجاربهم
اقرأي عن حالة ابنك وعن احتياجات من مثله جسديًا وتعليميًا ونفسيًا وعاطفيًا