من جديد، عاد خبراء وزارة العدل ليجددوا مطلبهم الذى ينادون به منذ عام 1990 بوجود قانون جديد منظم لعملهم، بدلاً من المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 والذى أصدره الملك فاروق، ويعمل به حتى الآن.
وإزاء مطلبهم هذا، ظهرت بوادر أزمة جديدة مع وزارة العدل بسبب ذلك التعديل الذى تقدم به المستشار حسام عبدالرحيم، وزير العدل على مادة فى القانون، وهى المادة «26» باستبدال «مساعد أول وزير العدل» بدلاً من «الوكيل الدائم للوزارة» لإلغاء ذلك المنصب، وهو ما أثار استياء وغضب الخبراء، لقيام الوزارة بتعديل مادة فقط فى حين أن القانون لم يعدل منذ 60 عامًا، ما اعتبروه محاولة من الوزارة للوقوف أمام خروج قانون جديد للنور، بحسب ما قالوا فى بيان سابق لهم.
ويخضع خبراء وزارة العدل لقانونين، ففى التعيينات والترقيات يطبق عليهم المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952، وفى الأجور والمرتبات، يطبق عليهم قانون الخدمة المدنية كسائر العاملين بالحكومة، وهو أمر غير مستساغ أن تخضع فئة فى عملها لقانونين، وليس قانون واحد منظم لعملها.
فكرة مشروع القانون المدرج حاليًا على جدول أعمال اللجنة التشريعية بمجلس النواب، والذى قدمه نادى الخبراء وتبناه المستشار بهاء أبو شقة و68 نائبًا، تقوم على جعل الخبراء هيئة قضائية مستقلة لا تتبع وزارة العدل كما هو الحال الآن، تحت مسمى «هيئة الخبرة القضائية».
نظام الخبرة الحكومية بدأ عام 1952 بموجب المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952، وتشمل الخبرة 3 أفرع «الحسابية- الزراعية- الهندسية»، الخبير الحسابى، هم من يختصون بفحص القضايا الحسابية، وقضايا البنوك، والأموال العامة، وقضايا الضرائب، وكل ما يتعلق بالأمور المالية، وعددهم 795 خبيرًا حسابيًا موزعين على مكاتب الخبراء التابعة للمحاكم الابتدائية وعددهم 42 مكتبًا على مستوى الجمهورية.
الخبير الزراعى، يختص بالعمل فى كل قضايا الملكية، وما يتعلق بها، وجميع النزاعات الزراعية، وفصل الحد، وقضايا الأموال العامة الخاصة بالأمور الزراعية، ويعمل بالخبرة الزراعية 894 خبيرًا زراعيًا.
وأخيرًا الخبير الهندسى ويبلغ عددهم حوالى 1000 خبير، ينظرون جميع القضايا الهندسية والبناء، وكل ما يتعلق بالعقارات، ونزاعات الكهرباء، ونزاعات الميكانيكا، وكل ما هو مختص بالأمور الهندسية، وكذلك قضايا الأموال العامة والكسب غير المشروع.
ويبلغ إجمالى عدد الخبراء ما بين 2700 إلى 2800 خبير على مستوى الجمهورية، وبحسب المهندس محمد ضاهر، رئيس نادى الخبراء، فإن عدد الذين يعملون فعليًا فى الخبرة لا يزيد عن 2400 خبير والباقى فى الوظائف القيادية.
ويحال إليهم سنويًا 420 ألف قضية لمباشرتها، ويطلب منهم معدل إنجاز 380 ألف قضية سنويًا، بما يعنى أن نصيب كل خبير 175 قضية فى السنة، والمطلوب إنجازه 158 قضية سنويًا، بما يعادل 14 قضية فى الشهر.
ويقول رئيس نادى الخبراء، إن القضية الواحدة تستغرق فعليًا حوالى شهر طبقًا للإجراءات القانونية، التى تتضمن ما بين مدة لإخطار أطراف الدعوى، ثم المناقشة، ثم المعاينة على الطبيعة، ثم كتابة التقرير، وفى المقابل مطلوب من الخبير أن ينجز 14 قضية فى الشهر.
ويرتبط معدل إنجاز الخبير بالراتب الذى يتقاضاه وما يتضمنه من حوافز، بمعنى أنه فى حال عدم الانتهاء من إنجاز 14 قضية فى الشهر لا يتقاضى مرتبه وحوافزه كاملاً.
يورد خبراء وزارة العدل لخزينة وزارة المالية مبالغ ضخمة، حيث وصلت متوسطها خلال الخمس سنوات الأخيرة، ما بين 400 إلى 500 مليون سنويًا، وهى التى تحصل من المواطنين تحت بند «أمانة الخبير» على ذمة أتعاب العمل، حيث تتراوح بين 200 إلى 2000 جنيه، وقد تصل أحيانًا إلى 10 آلاف جنيه، وهذه الأمانات طبقًا للقرار الجمهورى رقم 623 لسنة 1981 تؤول إلى وزارة المالية، ولا يستفيد بها الخبراء بأى شكل.
فى حين يكشف المهندس ضاهر، عن أن ما يخصص لقطاع الخبراء سنويًا من أجور ومرتبات وإنشاءات وخلافه يقدر بـ190 مليون جنيه فقط، وتلك الميزانية لا تخصص بصفة مستقلة من وزارة المالية، وإنما تخصص موازنة كاملة لوزارة العدل لجميع جهاتها والسلطات القضائية وخلافه، وتخصص وزارة العدل ذلك المبلغ كميزانية للخبراء.
فى الوقت الذى تتحدث فيه وزارة العدل عن ميكنة مكاتب الخبراء، فالواقع يؤكده رئيس نادى الخبراء، وهو أن %70 من عمل الخبراء لا يزال حتى الآن يتم بالطريقة التقليدية فى أعمال المعاينات والسجلات وكتابة التقارير، ولم يتم استخدام الميكنة الحديثة بالرغم من التصريحات الرسمية للوزراة.
ويشير «ضاهر» إلى أن عملية التطوير والميكنة يسمع عنها الخبراء منذ عام 1981 وهو تاريخ أول مؤتمر يعقد فى مصر لتطوير العدالة، ولم ير منها خبراء العدل شىء حتى الآن، ضاربًا المثل أنه من المفارقات العجيبة، أن نجد غرفة مساحتها 3 فى 4 أمتار يعمل بها 4 خبراء على 4 مكاتب، وكل خبير يجلس أمامه المدعى والمدعى عليه ومحامى كل منهم، فهل هذا شكل يليق، أو فى صالح العدالة، أو فى صالح سرية التحقيقات؟
هناك إدارة تسمى إدارة خبراء الأموال العامة والكسب غير المشروع والتى نشأت عام 1990 وتختص بمباشرة القضايا المحالة إليها من إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة ومحاكم الجنايات، وشاركت هذه الإدارة فى جميع القضايا التى تخص فساد رموز نظام مبارك جميعها منذ عام 2025 وحتى الآن.
ويؤكد رئيس نادى الخبراء على أن جميع قضايا النظام الأسبق والتى تقدر بالمليارات، شارك فيها خبراء وزارة العدل، وكان آخرها قضية الفساد المالى فى وزارة الداخلية التى تم نظرها منذ أيام أمام محكمة الجنايات بقيمة 2.5 مليار جنيه.
نقطة هامة يوضحها رئيس نادى الخبراء، ويؤكد على أنها سبب فى المطالبة باستقلالهم واعتبارهم هيئة قضائية، هى أن اتفاقية مكافحة الفساد الصادرة من الأمم المتحدة والموقع عليها 125 دولة من دول العالم الأعضاء وبينهم مصر، نصت فى موادها 5 و6 و36 بأنه لا يتم استرداد أى أموال مهربة من المحاكمين بالفساد، أن يكون كل من قام بمباشرة التحقيقات جهات مستقلة عن السلطة التنفيذية، وبالطبع جهاز الكسب غير المشروع هو جهة قضائية، لكن الجهاز يحيل للخبراء الأمور المتعلقة بتقييم العقارات والأموال والأرصدة، ثم يقوم النائب العام بعد صدور الحكم النهائى، يتقدم بطلب لاسترداد تلك الأموال، وهنا يتم الرفض لسبب واحد، وهو أن الحلقة التى يتم فيها مباشرة تلك القضايا تتضمن فئة ليست مستقلة عن السلطة التنفيذية وهم خبراء وزارة العدل.
«القاضى الفنى» هكذا يطلق على الخبير فى القانون الفرنسى، لأنه يضع الحقيقة أمام المنصة ويصدر القاضى الحكم وفقًا لما جاء فى تقرير الخبير، وهناك حكم من محكمة النقض المصرية يؤكد على أنه إذا ما أصدر القاضى حكمًا بعلمه فى مساءلة فنية، فإن حكمه باطل، كما أنه إذا ما تعرض الخبير فى تقريره لمساءلة قانونية بطل تقريره.
وعليه فالخبير يقوم بعمل هام للغاية فى الأمور الفنية التى يصعب على القاضى أن يفصل فيها، وإلا لما كانت محكمة النقض قد أرست هذا المبدأ الهام.
ويعقد خبراء وزارة العدل أملهم على مجلس النواب، منتظرين الاستجابة لمطلبهم بتحديد جلسة استماع لمقترحاتهم فى القانون المنظم لعملهم، خاصة وأن قانونهم الحالى لم يعدل منذ 60 عامًا، بل أنه صدر المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 المنظم لعملهم يتصدره عبارة «نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان».