ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻘﺎﻝ ﺃﻛﺮﻡ
ﻛﺴﺎﺏ ﻳﺒﻴﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻭﺳﺮ
ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ
ﺻﻨﻊ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺃﻋﻈﻢ ﺻﻨﻌﺔ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺀ
ﻧﺎﻃﺤﺎﺕ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄﻟﻒ، ﻛﻤﺎ
ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻟﻮﻓًﺎ ﻻ ﻳﺴﺎﻭﻭﻥ ﺭﺟﻼً ﻭﺍﺣﺪًﺍ . ﻭﻓﻲ ﻭﺳﻂ
ﺍﻟﻈﻼﻡ ﺍﻟﺪﺍﻣﺲ، ﻭﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﺤﺎﻟﻜﺔ، ﻭﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﻤﻔﻌﻤﺔ
ﺑﺎﻟﺴﻮﺍﺩ، ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺷﻌﺎﻉ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻴﺒﻌﺚ
ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺠﺪِّﺩ ﻟﻬﻢ ﺃﻣﺮ ﺩﻳﻨﻬﻢ، ﻭﺷﺌﻮﻥ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ،
ﻓﻴﻘﻴﺾ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﺭﺟﺎﻻً ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻫﻢَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ،
ﻓﻴﺘﺮﻛﻮﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺯﻳﻨﺘﻬﺎ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻮﻥ ﺯﺧﺮﻓﻬﺎ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ
ﻇﻬﺮﻳًّﺎ .
ﻭﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ، ﺭﺟﻞٌ ﺃُﻣَّﺔ. ﻭﻫﻮ ﺇﺣﺪﻯ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻹﺳﻼﻡ
ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﻭﺇﺣﺪﻯ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ .. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ؟ ﺃﻫﻮ ﺗﻐﻦٍّ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﺃﻡ ﺑﻜﺎﺀ ﻋﻠﻰ
ﺍﻷﻃﻼﻝ؟ ﺃﻡ ﺃﻧﻪ ﺗﺤﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮ؟
ﻭﺍﻟﺤﻖ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ -ﺭﺣﻤﻪ
ﺍﻟﻠﻪ - ﺃﻣﺮ ﻣﻄﻠﻮﺏ، ﺃﻭ ﻗُﻞْ: ﻫﻮ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ
ﻭﻓﺮﻳﻀﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ؛ ﻷﻣﻮﺭ ﻣﻨﻬﺎ:
ﺃﻭﻻً: ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻓﻲ ﻣﺤﻨﺔٍ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ
ﻣﺠﻲﺀ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ.
ﺛﺎﻧﻴًﺎ : ﻷﻥ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺿﻠﺖ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻬﺪﻯ، ﻭﺗﻨﻜﺒﺖ ﻃﺮﻕ
ﺍﻟﺼﻼﺡ، ﻭﺩﻉ ﻋﻨﻚ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻡ .
ﺛﺎﻟﺜًﺎ : ﻷﻥ ﺃﻣﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﻘﺘﺪﻱ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻋﺼﺮٍ
ﻗَﻠَّﺖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﺪﻭﺍﺕ، ﻭﺍﻧﻌﺪﻣﺖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ.
ﺭﺍﺑﻌًﺎ: ﻷﻥ ﺃﻣﺘﻨﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﺜﻴﻼً ﻟﺼﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ؛
ﻟﻴﻌﻴﺪ ﻟﻬﺎ ﻋﺰﺗﻬﺎ ﻭﻛﺮﺍﻣﺘﻬﺎ.
ﺧﺎﻣﺴًﺎ: ﻷﻥ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻣﺮ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟﺘﻌﺮﻑ ﺍﻷﻣﺔ
ﻛﻴﻒ ﺍﻧﺘﺼﺮ ﺍﻟﺴﻠﻒ؛ ﻟﻴﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺨﻠﻒ،
ﻭﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻛﻴﻒ ﺃﻋﻴﺪﺕ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺃﻭﻻً؛ ﻟﺘﻌﻤﻞ ﺑﻨﻔﺲ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ ﺛﺎﻧﻴًﺎ.
ﺳﺎﺩﺳًﺎ: ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ﺃﻣﺮ ﻣﻄﻠﻮﺏ، ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻋﻠﺖ
ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ، ﻭﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ
ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ؛ ﻓﻼ ﺩﺍﻋﻲ ﻟﻠﻴﺄﺱ، ﻭﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻨﻮﻁ، ﺑﻞ
ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻓﻨﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻄﺎﺀ ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ، ﻭﺑﺬﻝ
ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻭﺟﻬﺎﺩ ﺍﻷﺗﻘﻴﺎﺀ، ﻭﻣﺜﺎﺑﺮﺓ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ، ﻭﻋﺰﺍﺋﻢ
ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ . ﻧﻌﻢ، ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻟﻢِّ ﺍﻟﺸﻤﻞ، ﻭﺷﺤﺬ ﺍﻟﻬﻤﻢ،
ﻭﺗﻜﺎﺗﻒ ﺍﻟﻘﻮﻯ، ﻭﻧﺒﺬ ﺍﻟﺨﻼﻑ، ﻭﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺼﻒ، ﻭﺣﺴﻦ
ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ .U
ﻧﺸﺄﺓ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻣﻦ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻐﻨﻰ ﺑﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﺩﻋﻴﺎﺋﻪ، ﻭﺍﻟﺤﻖ ﺇﻥ ﺻﻼﺡ
ﺍﻟﺪﻳﻦ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﺮﺩﻳﺔ، ﻛﺮﻳﻤﺔ
ﺍﻷﺻﻞ، ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺸﺮﻑ، ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﻳﺖ، ﻭﻫﻲ ﺑﻠﺪﺓ
ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻘﻊ ﺑﻴﻦ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﻤﻮﺻﻞ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻩ ﺣﺎﻛﻤًﺎ
ﻟﻘﻠﻌﺔ ﺗﻜﺮﻳﺖ. ﻭﺍﻟﺤﻖ ﺇﻥ ﻋﺮﺍﻗﺔ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻻ ﺗﺸﻔﻊ ﻟﺴﻮﺀ
ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺭﻓﻌﺔ ﺍﻟﺤﺴﺐ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻫﻞ
ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻋﻈﻤﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺑُﻨﺎﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﻣﻦ
ﻣﺴﻠﻤﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﺮﺏ؟ ! ﻭﺳَﻞْ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﺨﺒﺮﻙ
ﺑﺄﺳﻤﺎﺀ ﻻﻣﻌﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭ ﻣﺴﻠﻢ ﻭ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ
ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻗﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵ.
ﻭﻣﻦ ﻏﺮﻳﺐ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ، ﺃﻥ ﻭﻻﺩﺓ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ
ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﻦ ﺷﺎﺩﻱ، ﺻﺎﺩﻓﺖ ﺇﺟﺒﺎﺭ ﺃﺑﻴﻪ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺗﻜﺮﻳﺖ، ﻓﺘﺸﺎﺀﻡ ﺃﺑﻮﻩ ﻣﻨﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺣﺪ
ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ : ﻓﻤﺎ ﻳﺪﺭﻳﻚ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﻣﻠﻚٌ ﻋﻈﻴﻢ
ﻟﻪ ﺻﻴﺖ؟!
ﻭﻟﻤﺎ ﻫﺎﺟﺮ ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻳﻮﺏ ﻣﻦ ﺗﻜﺮﻳﺖ، ﻛﺎﻥ ﻧﺰﻭﻟﻪ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﻮﺻﻞ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﺎﺩ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺯﻧﻜﻲ ، ﻓﺄﻛﺮﻣﻪ، ﻭﻧﺸﺄ ﺍﻟﻄﻔﻞ
ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻧﺸﺄﺓ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ، ﺩﺭﺝ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺰ، ﻭﺗﺮﺑﻰ
ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﻭﺳﻴﺔ، ﻭﺗﺪﺭﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻼﺡ، ﻭﻧﻤﺎ
ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺐ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ، ﻓﻘﺮﺃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺣﻔﻆ
ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ، ﻭﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻢ.
ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻭﺯﻳﺮًﺍ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ :
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻗﺒﻞ ﻗﺪﻭﻡ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ
ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﺮ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ، ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺯﻳﺮ
ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ، ﻭﻣﻦ ﺛَﻢ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺼﺮ ﻧﻬﺒًﺎ ﻟﻠﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻣﻦ
ﻣﻤﺎﻟﻴﻚ ﺃﺗﺮﺍﻙ ﻭﺳﻮﺩﺍﻧﻴﻴﻦ ﻭﻣﻐﺎﺭﺑﺔ. ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ
ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ، ﻭﺑﺪﺍ ﻟﻪ ﻃﻤﻊ ﻣﻠﻚ
ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺃﻣﻮﺭﻱ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻲ ﻓﻲ ﺩﺧﻮﻝ ﻣﺼﺮ، ﺃﺭﺳﻞ
ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻣﻦ ﺩﻣﺸﻖ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺟﻴﺸًﺎ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ
ﺃﺳﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺷﻴﺮﻛﻮﻩ ، ﻳﺴﺎﻋﺪﻩ ﺍﺑﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ،
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ ﺑﻘﺪﻭﻡ ﺃﺳﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺷﻴﺮﻛﻮﻩ، ﺗﺮﻛﻮﺍ
ﻣﺼﺮ، ﻭﺩﺧﻠﻬﺎ ﺃﺳﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺮﺑﻪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻲ، ﺛﻢ
ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﻋُﻴِّﻦ ﻭﺯﻳﺮًﺍ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻢ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻟﻪ
ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺳﻮﻯ ﺷﻬﺮﻳﻦ، ﻓﺎﺧﺘﺎﺭ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﺑﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﺻﻼﺡ
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺯﻳﺮًﺍ ﺧﻠﻔًﺎ ﻟﻪ .
ﺣﻴﻜﺖ ﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ
ﺍﻟﻤﻄﺎﻣﻊ، ﻭﻟﻜﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ
ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﻭﺑﺪﺍ ﻟﺼﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻇﻬﻮﺭ
ﺍﻟﺘﺸﻴﻊ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﻓﺄﺳﺲ ﻣﺪﺭﺳﺘﻴﻦ ﻛﺒﻴﺮﺗﻴﻦ ﻫﻤﺎ
ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻮِّﻝ
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ؛ ﺗﻤﻬﻴﺪًﺍ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺮﻳﺪﻩ. ﻭﻛﺎﻥ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻳﻜﺜﺮ ﻣﻦ
ﺇﻟﺤﺎﺣﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺧﻄﺒﺔ ﻳﻮﻡ
ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ " ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻲﺀ"،
ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻲ "ﺍﻟﻌﺎﺿﺪ ." ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻃﻠﺐ
" ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ" ﻭﺣﺪﻩ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻃﻠﺐ ﺍﻷﻣﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻟﻜﻦ
ﺻﻼﺣًﺎ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺮﻳﺚ ﻭﻳﺘﺤﻴﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ
ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ، ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﺧﻄﺐ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ
ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ
ﺳﻴﺪ ﻣﺼﺮ، ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪٍ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﺳﻮﺍﻩ.
ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻭﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ :
ﻛﺎﻥ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻣﻔﻌﻤًﺎ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ
ﺷﻐﻮﻓًﺎ ﺑﻪ، ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﻧﺤﻪ. ﻭﻗﺪ ﻫﺠﺮ -ﺭﺣﻤﻪ
ﺍﻟﻠﻪ - ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﺑﻠﺪﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ
ﻣﻴﻞ ﺇﻻ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻻ ﺣﺐ ﺇﻻ ﻟﺮﺟﺎﻟﻪ . ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﻬﺎﺀ
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺷﺪﺍﺩ: " ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻪ
ﻳﺤﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ، ﻭﻟﻮ ﺣﻠﻒ ﺣﺎﻟﻒ ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﺃﺗﻔﻖ ﺑﻌﺪ
ﺧﺮﻭﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺩﻳﻨﺎﺭًﺍ ﻭﻻ ﺩﺭﻫﻤًﺎ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺃﻭ
ﻓﻲ ﺍﻷﺭﻓﺎﺩ، ﻟﺼﺪﻕ ﻭﺑﺮّ ﻳﻤﻴﻨﻪ ."
ﺇﻥ ﻟﻜﻞ ﺭﺟﻞ ﻫﻤَّﻪ، ﻭﻫﻢُّ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻣﺎ ﺃﻫﻤﻪ،
ﻭﻛﺄﻧﻲ ﺑﺎﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻳﺼﻒ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ
ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ : " ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﺑﺎﻟﻨﻌﻴﻢ، ﻭﺑﺤﺴﺐ
ﺭﻛﻮﺏ ﺍﻷﻫﻮﺍﻝ ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﺣﺔ ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ،
ﻓﻼ ﻓﺮﺣﺔ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻫﻢَّ ﻟﻪ، ﻭﻻ ﻟﺬﺓ ﻟﻤﻦ ﻻ ﺻﺒﺮ ﻟﻪ، ﻭﻻ
ﻧﻌﻴﻢ ﻟﻤﻦ ﻻ ﺷﻘﺎﺀ ﻟﻪ، ﻭﻻ ﺭﺍﺣﺔ ﻟﻤﻦ ﻻ ﺗﻌﺐ ﻟﻪ ."
ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻛﻦ ﻛﺒﺎﺭًﺍ *** ﺗﻌﺒﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺩﻫﺎ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ -ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ
ﺟﻬﺎﺩ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﻣﻦ ﻏﺰﻭ ﺇﻟﻰ ﻏﺰﻭ، ﻭﻣﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺇﻟﻰ
ﻣﻌﺮﻛﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﻄﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﺭﻛﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻪ
ﺑﺄﻗﻼﻡ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ، ﻭﺳﻄﺮﺕ ﻋﻠﻰ
ﺟﺒﻴﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺷﺎﻫﺪﺓ ﻟﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺔ.
ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :- " ﻛﻴﻒ ﻳﻄﻴﺐ ﻟﻲ ﺍﻟﻔﺮﺡ
ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﻟﺬﺓ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻭﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑﺄﻳﺪﻱ
ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ؟ ."!!
ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻬﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺷﺪﺍﺩ ﻭﺍﺻﻔًﺎ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ : "ﻛﺎﻥ -
ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺃﻣﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻻ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﺇﻻ
ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ." ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻳﻀًﺎ: " ﻭﻫﻮ ﻛﺎﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺍﻟﺜﻜﻠﻰ، ﻳﺠﻮﻝ
ﺑﻔﺮﺳﻪ ﻣﻦ ﻃﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﻃﻠﺐ، ﻭﻳﺤﺚ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ،
ﻭﻳﻄﻮﻑ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻃﻼﺏ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻳﻨﺎﺩﻱ: ﻳﺎ ﻟﻺﺳﻼﻡ، ﻭﻋﻴﻨﺎﻩ
ﺗﺬﺭﻓﺎﻥ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻜﺎ، ﻭﻣﺎ ﺣﻞَّ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ
ﺍﻟﺒﻼﺀ، ﺍﺷﺘﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺣﻒ ﻭﺍﻟﻘﺘﺎﻝ، ﻭﻟﻢ ﻳﻄﻌﻢ ﻃﻌﺎﻣًﺎ
ﺃﻟﺒﺘﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺷﺮﺏ ﺃﻗﺪﺍﺡ ﺩﻭﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ،
ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻌﺾ ﺃﻃﺒﺎﺋﻪ ﺃﻧﻪ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ
ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻷﺣﺪ ﻟﻢ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﺇﻻ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺴﻴﺮًﺍ
ﻟﻔﺮﻁ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ."
ﺃﺭﺃﻳﺖ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻫﻤﺘﻪ ﻭﻫﻤﻪ، ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻄﻌﻢ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ
ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺣﺪ، ﺇﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ:
ﻫﻤﻢ ﺗﻔﺎﺩﺕ ﺍﻟﺨﻄﻮﺏ ﺑﻬﺎ *** ﻓﻬُﺮِﻋﻦ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪ
ﺇﻥ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ -ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻏﺎﻳﺔ،
ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺘﻪ ﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺪﻭﻧﻬﺎ، ﺇﻧﻪ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻗﻮﻝ
ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ:
ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻧﺎﺱ ﻻ ﺗﻮﺳﻂ ﻋﻨﺪﻧﺎ *** ﻟﻨـﺎ ﺍﻟﺼﺪﺭ ﺩﻭﻥ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺒﺮ
ﺗﻬﻮﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻲ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ *** ﻭﻣﻦ ﺧﻄﺐ
ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺀ ﻟﻢ ﻳﻐﻠﻪ ﺍﻟﻤﻬﺮ
ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺭﺍﺩ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺭﺿﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻘﺮًّﺍ ﺑﺪﻻً ﻋﻦ
ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻗﺪﻡ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻬﺮ ﻏﺎﻟﻴًﺎ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ .
ﻭﻣﺎ ﺃﻥ ﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ " ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ" ﻓﻲ ﺣﻄﻴﻦ، ﺣﺘﻰ
ﺟﺎﺀﺗﻪ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﺟﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ :
ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟـﺬﻱ *** ﻟﻤﻌـﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻠﺒـﺎﻥ ﻧﻜﺲ
ﺟﺎﺀﺕ ﺇﻟﻴﻚ ﻇـﻼﻣﺔ *** ﺗﺴﻌﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻤُﻘَﺪَّﺱ
ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻃﻬﺮﺕ *** ﻭﺇﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﻲ ﺃُﺩﻧـﺲ
ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑﺼﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﺃﻛﺮﻡ ﺻﻼﺡ
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺒﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻓﻔﺘﺤﻪ ﻓﻲ 27 ﺭﺟﺐ ﻋﺎﻡ
583 ﻫـ، ﻭﻗﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻣﺤﻴﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺯﻛﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ
ﻟﻴﺨﻄﺐ ﺃﻭﻝ ﺟﻤﻌﺔ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻝ
ﻣﺨﺎﻃﺒًﺎ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺟﻴﺸﻪ: " ﻓﻄﻮﺑﻰ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺟﻴﺶ!
ﻇﻬﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻮﻗﻌﺎﺕ
ﺍﻟﺒﺪﺭﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺰﻣﺎﺕ ﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﺮﻳﺔ،
ﻭﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻔﺘﻜﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ . ﺟﺪﺩﺗﻢ ﻟﻺﺳﻼﻡ
ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﺩﺳﻴﺔ ، ﻭﺍﻟﻮﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻛﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻻﺕ
ﺍﻟﺨﻴﺒﺮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻬﺠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﻳﺔ، ﻓﺠﺰﺍﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﻧﺒﻴﻜﻢ r
ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ."
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻧﺘﺼﺮ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ؟ :
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻣﻤﻦ ﻳﺒﺤﺚ
ﻋﻦ ﺃﻟﻘﺎﺏ ﺯﺍﺋﻔﺔ، ﺃﻭ ﺩﻧﻴﺎ ﺯﺍﺋﻠﺔ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺩﺍﻋﻴﺔ ﺣﻖ،
ﻭﺭﺟﻞ ﻣﻌﺮﻛﺔ، ﻭﺻﺎﺣﺐ ﻋﻘﻴﺪﺓ، ﻭﻣﻦ ﺛَﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ
ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﻩ -ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﺪﻓﺔ ﻭﺍﺗﺘﻪ، ﺃﻭ ﺣﻈًّﺎ ﺃﺩﺭﻛﻪ،
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻷﺧﺬ ﺑﺎﻷﺳﺒﺎﺏ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ
ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ:
-1 ﺗﻘﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ :
ﻳﻘﻮﻝ ﻭﺍﺻﻔﻮﻩ: ﺇﻧﻪ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺷﻊ ﺍﻟﻘﻠﺐ،
ﻏﺰﻳﺮ ﺍﻟﺪﻣﻌﺔ، ﺇﺫﺍ ﺳﻤﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺧﺸﻊ ﻗﻠﺒﻪ
ﻭﺩﻣﻌﺖ ﻋﻴﻨﻪ، ﻧﺎﺻﺮًﺍ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻗﺎﻣﻌًﺎ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ، ﻻ
ﻳﺆﺧﺮ ﺻﻼﺓ ﺳﺎﻋﺔ ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺳﻤﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺪﻭ
ﺩﺍﻫﻢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺧﺮَّ ﺳﺎﺟﺪًﺍ ﻟﻠﻪ ﻗﺎﺋﻼً : "ﺇﻟﻬﻲ ! ﻗﺪ
ﺍﻧﻘﻄﻌﺖ ﺃﺳﺒﺎﺑﻲ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻚ ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻻ ﺍﻹﺧﻼﺩ
ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﺍﻻﻋﺘﺼﺎﻡ ﺑﺤﺒﻠﻚ، ﻭﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻠﻚ، ﺃﻧﺖ
ﺣﺴﺒﻲ ﻭﻧﻌﻢ ﺍﻟﻮﻛﻴﻞ." ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﺎ ﺫﻛﺮ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ
ﻳﻮﺍﻇﺐ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻊ ﺟﺰﺀًﺍ ﻣﻦ
ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﻴﻦ، ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ -
ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :- "ﻫﺬﺍ ﻣﻮﻗﻒ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﺜﻠﻪ
ﺣﺪﻳﺜًﺎ."
-2 ﺍﻻﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻭﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺑﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ :
ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺃﻻ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺳﻜﻨًﺎ، ﺑﻞ ﺧﻴﻤﺔ
ﺗﻀﺮﺏ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻳﻤﻨﺔ ﻭﻳﺴﺮﺓ، ﻭﻗﻴﻞ ﻓﻲ ﻭﺻﻔﻪ" :ﻛﺎﻥ
ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺃﻣﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻻ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﺇﻻ
ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ." ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ، ﻭﺑﻨﺎﺀ
ﺍﻟﺴﻔﻦ، ﻭﻋﻤﻞ ﺍﻟﻤﻔﺮﻗﻌﺎﺕ، ﻭﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻷﻟﻐﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻖ،
ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ .
-3 ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺒﻼﺩ :
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻣﻦ
ﻳﻮﻡ ﺃﻥ ﻭﻟﻲ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﻣﺼﺮ، ﻭﺃﺳﻨﺪﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﻠﻄﻨﺘﻬﺎ، ﺣﻴﺚ
ﺭﻓﺾ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ، ﻭﺃﺑﻄﻞ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ
ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ.
-4 ﻫﺪﻓﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ :
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺪﻓﻪ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺇﻋﻼﺀ ﺻﻴﺘﻪ، ﺃﻭ ﺗﺼﻴﺪ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ
ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺇﻋﻼﺀ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﺍﺳﻤﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﻴﻦ
ﻳﻘﻮﻝ: " ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﺴَّﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺘﺢ
ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ، ﻗﺴَّﻤﺖُ ﺍﻟﺒﻼﺩ، ﻭﺃﻭﺻﻴﺖُ، ﻭﻭﺩﻋﺖ، ﻭﺭﻛﺒﺖُ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺰﺍﺋﺮﻩ، ﺃﺗﺒﻌﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺃُﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ
ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻦ ﻳﻜﻔﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﺃﻣﻮﺕ ."!!!
ﻭﻓﺎﺓ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ :
ﻣﺎﺕ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﻤﺎ ﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺤﻴﻦ، ﺇﺫ
ﻣﺮﺽ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻓﻲ 16 ﺻﻔﺮ 589 ﻫـ، ﻭﻭﺍﻓﺘﻪ
ﺍﻟﻤﻨﻴﺔ ﻓﻲ 27 ﺻﻔﺮ 589 ﻫـ . ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺭﻭﺣﻪ ﻗﺪ
ﻓﺎﺭﻗﺖ ﺟﺴﺪﻩ، ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ ﺑﺠﺴﺪﻩ ﻭﺭﻭﺣﻪ ﻋﻦ ﺩﻧﻴﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ،
ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺣﻴّﺔ ﻳﺬﻛﺮﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥٍ،
ﻭﻳﺘﻄﻠﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ .
ﻭﺍﻵﻥ .. ﺃﻟﻴﺲ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ؟!
ﺗﺎﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﺒﺎﺭﺣﺔ! ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ
ﺑﺎﻷﻣﺲ! ﺃﻣﺔ ﻣﻤﺰﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺰﺍﺀ، ﻭﻣﺠﺰﺃﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺻﺎﻝ،
ﻭﻣﺘﻘﻄﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻳﻼﺕ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﻭﺩﻭﻳﻠﺔ ﺣﺎﻛﻢ
ﻭﺳﻠﻄﺎﻥ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺤﻠﺔ ﺭﺍﻳﺔ ﻭﺃﻋﻼﻡ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﺍﻭﻳﺔ
ﺭﺃﻱ ﻭﻓﻘﻴﻪ، ﻣﻊ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯ ﻛﻞ ﺫﻱ ﻣﻮﻗﻒ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ، ﻭﺇﻋﺠﺎﺏ
ﻛﻞ ﺫﻱ ﺭﺃﻱ ﺑﺮﺃﻳﻪ .. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻊ ﺿﻴﺎﻉ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺏ
ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﻙ ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﺕ ﻭﻫﺘﻚ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ، ﻭﻗﺘﻞ
ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ، ﻭﺩﻙ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ . ﻓﻬﻞ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺻﻼﺡٍ ﺟﺪﻳﺪ
ﻳﺼﻠﺢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻳﺠﺪِّﺩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺩﻳﻨﻬﻢ؟ ! ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ
ﺫﻟﻚ