لاتُرهق نفسك بالتفكير وتحزن على أمور قد كتبها الله لك ، فلا تعلم مالخير في أمرك .
قال تعالى : { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦) } سورة البقرة .
كم منّا من ابتدأ في حياته بداية سيئة مع الله أو في حياته الشخصية .
ثم يغير الله عليه و تكون نهايته أفضل من البداية .
- لاتهوّل على نفسك الأمور و إن كرهتها و كانت صعبة على نفسك .
- فهذه مريم ابنة عمران و هي من أفضل نساء العالمين ،قالت حينما حملت في ابنها عيسى عليهما السلام :
{ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (٢٣) } سورة مريم.
- فلم تكن تعلم بأن الله سبحانه جعل الذي في بطنها نبي من أنبياء الله - عزَّ و جلَّ - .
- لذا ينبغي للمسلم أن يعوّد نفسه على الرضا والصبر و إن طالت المصيبة وطال البلاء فإن مع كل عسر يسرا ، و تأكد أن الله لن يخذلك أبدًا .
• و لنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام أكبر الأمثلة و أعظمها .
فقد بيع بثمن رخيص و لم يعلموا أنهم باعوا رسول الله وملك مصر القادم .
قال تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) } سورة يوسف .
- افترق يوسف عليه السلام عن أبيه و تربى بعيدًا عنه ، و رغم كل ماحصل له يُسجن ظلمًا .
قال - عزَّ و جلَّ - : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (٣٥) } سورة يوسف .
- و عوضه الله عزَّ و جلَّ عن ما لقيه في بداية حياته .
قال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) } سورة يوسف .
• و لنا في فراق موسى عليه السلام عن أمه عبرة .
فأي أمٍّ تستطيع أن تتحمل وضع طفلها الرضيع في صندوق و ترميه في البحر !
قال تعالى :
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} سورة القصص - آية ١٠ .
لكن الله - عزَّ و جلَّ - قر عين أم موسى برؤية ابنها .
قال تعالى:{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } سورة القصص - آية ١٣ .
• و لنا في أمر نصرة الله - عزَّ و جلَّّ - لموسى عليه السلام وهروبه مع من آمن معه عبرة .
- فيحنما هرب موسى عليه السلام و من آمن معه من بطش فرعون و جنوده ، خافوا أن يدركهم فرعون .
قال تعالى : { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) } سورة الشعراء .
فأجابهم موسى عليه السلام و قال : { قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) سورة الشعراء - آية ٦٢ .
- فنصرهم الله - عزَّ و جلَّ - ، و قُتل فرعون .
قال تعالى : {
وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦ ) } سورة الشعراء .
- فبعدما كان موسى عليه السلام وأصحابه هاربين خوفاً من فرعون وبطشه ، نَصَرهُم الله في نهاية الأمر و كانت لهم الغلبة .
• و لنا في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم -
خير برهان بأن النهاية دائماً أفضل من البداية .
و من هذه الأمثلة :
١- يخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد قتل رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ثم يرجع إلى قريش معلنًا إسلامه .
٢- ذهب عمير بن وهب إلى المدينة وغمّد سيفه بالسم ليقتل رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ثم يعود لمكة ليعلن إسلامه و يدعو إلى الإسلام و أسلم على يده الكثير !
٣- يبكي علي بن أبي طالب رضي الله عنه حزنًا و ضيقًا ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - لم يأخذه معه في غزوة تبوك ، ثم يرجع فرحاً مستبشراً بعدما بشّره رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بأنه لرسول الله بمنزلة هارون لموسى عليهم السلام .
٤- قتل وحشي بن حرب حمزة بن عبدالمطلب وندم أشد الندم ، و عوضه الله بقتله لمن ادّعى النبوة ( مسليمة الكذاب ) .
فكان يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية و شر الناس في الإسلام .
٥ - أعطى كفار قريش حسان بن ثابت المال ليهجوا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ثم عاد إليهم و ردَّ لهم أموالهم و أعلن إسلامه !
٦- لم يلقَ أحد من العذاب من أصحاب الرسول - صلى الله عليه و سلم - كما لقيه بلال بن رباح رضي الله عنه من كفار قريش ! ليرجع عن دين الإسلام و أبى أن يرجع ، حتى اشتراه أبو بكر رضي الله عنه من أمية بن خلف ثم يبشره رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بالجنة .
٧- ذهب سراقة بن مالك رضي الله عنه لقتل الرسول - صلى الله عليه و سلم - بعدما أعدّت قريش جائزة لقتله ، ثم عاد إلى قومه وكتم رؤيته للرسول - صلى الله عليه و سلم - و في قلبه يقين بأنه نبي من الله وبشرَّه رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بأنه سيلبس سوار كسرى و تحقق ماقال له الرسول - صلى الله عليه و سلم - !
٨ - آذى كفار قريش المسلمون و طردوهم من مكة و شرّدوهم إلى المدينة و الحبشة ، و بعدها بأقل من ١٠ سنوات عاد المسلمون لمكة محطمين أصنام قريش !
٩ - حزنت أم سلمة رضي الله عنها على فقدان زوجها حزناً شديداً ، و عوضها الله بأن تكون أمًا للمؤمنين و زوجة رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في الدنيا و الآخرة .
اعمل لحياتك و اجتهد و أخلص النية لله عزَّ و جلَّ و سيرزقك الله نهاية سعيدة تتمناها كما رُزِق الأنبياء و الصالحين .
وتذكر قول الله تعالى :
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا } سورة الكهف - آية ٤٥ .
{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا } سورة لقمان - آية ٣٤ .
{ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا } سورة الطلاق - آية ١ .
=================
محمد بن فوزي الغامدي
صيد الفوائد