بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من بُعث للعالمين، مبشرًا ونذيرًا وآله وصحبه إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
منذ أن خلق الله آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يزال المؤمن في صراع مع المعاصي والذنوب، فلا يزال الشيطان يزين له ويحسن له فعلها، حتى أخرج أبانا آدم من الجنة، وما فتئ حتى انتقل إلى ذريته، بكل حيلةٍ، وبكل خديعةٍ، حتى يجعلهم من حزبه وأعوانه.
• وقد حذرنا الله في كتابه الكريم من كيد الشيطان ومكره في أكثر من آية:
القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 27 - 29].
• ولا تكاد تخلو سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من التحذير والوعيد لكل من سلك طريق المعاصي والذنوب:
الحديث
عن حُذيفة بن اليمان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف مَعروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه" رواه مسلم.
• ولا يزال أهل العلم من العلماء والوعاظ، يحذرون من خطر الانسياق وراء هذه الذنوب والمعاصي، فهذا ابن القيم - رحمه الله - يقول:
المعصية تنسي العبد نفسه
قال ابن القيم الجوزية - رحمه الله-: ومن عقوباتها - أي المعاصي -: أنها تنسي العبد نفسه، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها. فإن قيل: كيف ينسى العبد نفسه؟ وإذا نسي نفسه فأي شيء يذكر؟ وما معنى نسيانه نفسه؟
قيل: نعم ينسى نفسه أعظم نسيان: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19] ، فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم. كما قال الله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67].
فعاقب سبحانه من نسيه عقوبتين:
إحداهما: أنه سبحانه نسيه، والثانية: أنه أنساه نفسه.
ونسيانه سبحانه للعبد إهماله وتركه وتخليه عنه وإضاعته. فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم. وأما إنساؤه نفسه فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وما تكمل به، ينسيه ذلك جميعه فلا يخطر بباله، ولا يجعله على ذكره، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره، وأيضًا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها.
وأيضا ينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها، فلا يخطر بقلبه مداواتها، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول به إلى الفساد والهلاك، فهو مريض مثخن بالمرض، ومرضه مترام به إلى التلف، ولا يشعر بمرضه، ولا يخطر بباله مداواته، وهذا من أعظم العقوبة العامة والخاصة.
فأية عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها، ونسي مصالحها، وداءها ودواءها، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها، وحياتها الأبدية في النعيم المقيم.
• ومما يسبب الوقوع في المعاصي والمحرمات أمور عديدة يجب الحذر منها، نذكر أخطرها:
أسباب الوقوع في المعاصي
1- كثرة مخالطة الفاسقين.
2- رفقة السوء فهم يحسنون القبيح، ويقبحون الحسن.
3- التقليد الأعمى.
4- وسائل الإعلام سواء كانت المقروءة أم المرئية أم المسموعة.
5- الاغترار بالشباب والصحة وطول الأمل.
• ومما يعين على التخلص من هذه الذنوب والمعاصي، ويجلب لك انشراح الصدر، وصفاء القلب والمعتقد ما يلي:
أسباب البعد عن المعاصي
السبب الأول: علم العبد بقبح الذنوب ورذالتها ودناءتها، وأن الله إنما حرمها ونهى عنها، صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل.
السبب الثاني: الحياء من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه، وأنه بمرأى منه ومسمع، وكان حييًا استحيا من ربه أن يتعرض لمساخطه.
السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد فما أذنب عبد ذنبًا إلا زالت عنه نعمة من الله، بحسب ذلك الذنب، فإن تاب ورجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصر لم ترجع إليه.
السبب الرابع: خوف الله وخشية عقابه.
السبب الخامس: محبة الله وهي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه، فإن المحب لمن يحب مطيع. وكلما قوي سلطان المحبة في القلب قوي اقتضاؤه.
السبب السادس: شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تختار الأسباب التي تحطها، وتضع من قدرها، وتخفض منزلتها، وتحقرها، وتسوي بينها وبين السفلة.
السبب السابع: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية وقبح أثرها.
السبب الثامن: قصر الأمل وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية، وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب قال في ظل شجرة، ثم سار وتركها، فهو لعلمه.
السبب التاسع: مجانبة الزيادة في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس.
السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه. فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر.
• واستمع إلى قول هذا الشاعر اللبيب الذي يحذرنا من خطورة النظرة المحرمة:
شعركل الحوادث مبداها من النظرِ
ومعظم النار من مستصغر الشررِ
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وترِ
والعبد ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطرِ
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحبًا بسرور عاد بالضررِ
• ونقف مع أحد الصالحين:
موعظة إبراهيم بن أدهم
جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض عليَّ ما يكون لها زاجرًا ومستنقذًا لقلبي. قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها، لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق.
قال: أما الأولى، فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه. قال فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟ قال له: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال: لا، هات الثانية. قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئًا من بلاده. قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، يا هذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟ قال: لا، هات الثالثة: قال إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزًا له فاعصه فيه. قال: يا إبراهيم كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟ قال: لا، هات الرابعة. قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحًا وأعمل لله عملا صالحًا. قال: لا يقبل مني. قال: يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟ قال: هات الخامسة. قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم. قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني. قال: فكيف ترجو النجاة إذًا. قال له: يا إبراهيم حسبي حسبي أنا أستغفر الله وأتوب إليه، ولزمه في العبادة، حتى فرق الموت بينهما.
في الختام نقول:رأيت الذنوب تميت القلوب
ويورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
نسأل الله أن يقينا شرور الآثام من المعاصي والمحرمات، وأن يغفر لنا ما مضى وفات، وأن يتوب علينا جميعًا إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
======================
شبكة الالوكه