العاقل هو من يتخير من يصاحب ومن يصادق , وكما يدل الصاحب على صاحبه ويكون مرآة له في الدنيا , فإن المرء يحشر يوم القيامة ويكون مع من يحب , عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ رَجُلاً قََالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ ؟ قَالَ : لاَ ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، قَالَ : فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ : فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ ، لِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْمَلْ بِعَمَلِهِمْ. رواه أحمد (13419 و13886) ، وعَبْد بن حُمَيْد (1296) ، ومُسْلم (7520) .
فالأرواح تتلاقى وتتقابل والطيور على أشكالها تقع , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ. أخرجه أحمد 2/295(7922) و\"البُخاري\" في \"الأدب المفرد\" 901 .
قال تعالى : \" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي \" الفرقان:27.
يقول ابن عباس و سعيد بن المسيب : إن الظالم هاهنا يراد به عقبة بن أبي معيط وخليله أمية بن خلف وتذكر بعض الروايات أن سبب نزول هذه الآيات هو أن عقبة بن أبي معيط كان يكثر من مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاه إلى ضيافته فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين، ففعل. وعلم بذلك أبي بن خلف وكان صديقَه، فعاقبه وقال له: صبأت؟ فقال: لا والله ولكن أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي استحيت منه فشهدت له، فقال: لا أرضى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه، فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجَ مكة إلا علوت رأسك بالسيف فأسر يوم بدر فأمر عليًّا بقتله فقتله .الدر المنثور , للسيوطي 6/ 249.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَوَجَدَ عِنْدَهِ أَبَا جَهْلٍ ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ : أَيْ عَمِّ ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمَ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ ، آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ : عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : وَاللهِ ، لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ : \"مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينِ) ، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : \"إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ\".أخرجه أحمد 5/433(24074) و\"البُخَارِي\" 2/119 (1360) و\"مسلم\"1/40(41).
قال تعالى : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (67) سورة الزخرف , عن قتادة عن أبي إسحاق أن عليًا قال في هذه الآية: خليلان مؤمنان وخليلان كافران, فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر, ويخبرني أني ملاقيك, يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني, فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما, فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه, فيقول: نعم الأخ, ونعم الخليل, ونعم الصاحب, قال: ويموت أحد الكافرين, فيقول: يا رب إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير, ويخبرني أني غير ملاقيك, فيقول بئس الأخ, وبئس الخليل, وبئس الصاحب . (أخرجه الطبري: 25 / 94, وعبد الرزاق في التفسير: 2 / 199-200, وزاد السيوطي في الدر: 7 / 389 نسبته لعبد بن حميد, وحميد بن زنجوبه, وابن أبي حاتم وابن مردويه, والبيهقي في شعب الإيمان.).
وها هو عمران بن حطان تأثر بزوجته الحسناء فعمران بن حطان من التابعين كان رجلاً من أهل السنة وعلى خير وصلاح ، ولكن ماذا حدث له ؟؟تزوج ابنة عم له علي مذهب الخوارج - وكانت حسناء – وطمع في هدايتها فهدته هى إلي طريق الخوارج المذموم السقيم ، فطفق يطعن في أمير المؤمنين علىّ بل ويثنى علي قاتله عبد الرحمن بن مُلجم غاية الثناء .فينشد في شأن ابن ملجم قاتل علىّ أبياتاً ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء وفيها :
يا ضرْبَةً من تقيًّ ما أراد بها * * * إلا لِيبْلُغَ من ذَي العرْش رضْواناً
إنِّي لأذكُرُهُ حيـنـاً فأحْسَبُهُ * * * أوْفَي البريَّة عند الله ميزانــاً
أكِرمْ بقومٍ بطونُ الطيرِ قبرهُمُُ * * * لم يخْلِطُوا دِينهم بَغْياً وعُدْوانـاً
قال علي رضي الله عنه :
فلا تصحب أخا الجهل ***وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى*** حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ***إذا ما المرء ماشاه
و للشيء من الشيء*** مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب ***دليل حين يلقاه
وقال الشاعر :
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ * * * فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ * * * وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
قال مالك :الناس أشكال كأشكال الطير الحمام مع الحمام والغراب مع الغراب والبط مع البط ، وكل إنسان مع شكله, وقال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ : الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب ، إذا لم تكن مثله شانته .
والصحبة الصالحة لها قيمتها وأهميتها في حياة كل منا .
1- مصاحبة الصالحين دليلٌ علي صلاحك .
2- جليسك الصالح يحثك علي أعمال البر .
3- جليسك الصالح يجعلك تكف عن المعصية :
4- جليسك الصالح يبصرك بعيوبك لتصلح من شأنك .
5- جليسك الصالح يحفظك في غيبتك .
6-جليسك الصالح يدعو لك في غيابك و يرشدك في حضورك .
7- جليسك الصالح ينفعك دعاؤه في حياتك و عند موتك .
ولن يصحب الإنسان إلا نظيره * * * وإن لم يكونا من قبيل ولا بلد
وما الغيُّ إلا أن تُصاحب غاوياً * * * وما الرشد إلا أن تُصاحب ذا رشد
رزقنا الله وإياكم الصحبة الصالحة , التي إن نسينا ذكرتنا وإن وقعنا في شدة واستنا وعلى الخير والبر تصحبنا , وفي الله تؤاخينا وإلى طريق الجنة والرضا تأخذ بأيدينا .
د.بدر عبد الحميد هميسة
موقع صيد الفوائد