أكبر وهم نتوهمه أن الذي يأتي إلى المسجد ويصلي هو صاحب دين ؛ تأتي إلى هنا لتأخذ تعليمات الصانع فقط، وتعود مرة ثانية لتقبض الثمن، دينك بعملك، دينك مع أولادك، دينك بمعاملاتك.
فى المسجد تأخذ تعليمات الصانع، وتعود إلى الحياة كي تُمارس هذه التعليمات ؛كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيت الله عزَّ وجل يقول
( اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك )[مسلم عن أبي حميد]
العمل خارج الجامع، هناك الدين، هناك الاستقامة، هناك ضبط اللسان، هناك ضبط الدخل، هناك ضبط الإنفاق ؛ نحن حينما فهمنا الدين خمس عباداتٍ شعائرية صرنا في مؤخَّرة الأمم، ولكننا يجب أن نفهم الدين منهجاً كاملاً
حقائق الإيمان شيء و حلاوة الإيمان شيء آخر ، حقائق الإيمان سهلة جداً ، علق في غرفة الضيوف آية الكرسي ، جميل أنت مسلم ، وعلى السيارة مصحف صغير ، شيء جيد لكن ليس هذا الدين ، الدين منهج كامل يبدأ من أخص خصوصياتك وهو فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، كيف تأكل ، تشرب ، تشتغل ، كيف تعامل زوجتك ، أقاربك ، من حولك، من فوقك ، من دونك ، كيف تستمتع بوقت الفراغ ، كيف تربي أولادك ، منهج تفصيلي
المؤمن محكوم بمنظومة قيمٍ أخلاقيةٍ كثيرةٍ كبيرةٍ جداً، ففي حياته نهج دقيق تفصيلي، ما وصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه اليوم إلا لأنهم توهَّموا أن الإسلام مجموعة عبادات شعائرية فقط، هي الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، بينما يحوي الإسلام ـ وأرجو ألا أُبالغ ـ مئة ألف بند تقريباً ؛ بنود في كسب المال، بنود في إنفاق المال، بنود في الزواج، بنود في الطلاق، بنود في المجالس، بنود في أداء الحِرَف، بنود في السفر، بنود في الإقامة، بنود في تربية الأولاد، منهج كامل
حينما فهم المسلمون أن الإسلام بضعة عبادات شعائرية كانوا خلف الأمم جميعاً، أما حينما فهم الصحابة الكرام أن الدين هو الحياة كما أرادها الله عزَّ وجل ساروا وفق المنهج التفصيلي، لذلك طلب العلم فرضٌ على كل مسلم، في حياة المسلمين لا شيء يعلو على طلب العلم ؛ إنَّك بالعلم تعرف من أنت، وتعرف موقعك بين الناس، وتعرف ماذا بعد الموت، وماذا قبل الموت، وما المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه
الشيخ راتب النابلسى