عندما بدأَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالدعوةِ إلى اللهِ وتَرْكِ عبادة الأوثان وما عليهِ العرب من الأخلاق والعادات المذمومة كان معظم زعماء قريشٍ من الرافضين الدين الجديد بل وناصبوه العداء والتنكيل بالرسول ومن آمن معه وذلك لأسبابٍ عدةٍ منها التمسُّكُ بدينِ الآباء والأجدادِ ورفض الجديد إلى جانب خوف أولئك الزعماء على مناصبهم ومكانتهم في قريشٍ وبينَ القبائلِ العربيّة، فاعتقدوا أن الدخولَ في الإسلام سيسلبُ منهم مكانتَهم وأموالهم ومناصبهم الدينية والاجتماعيّة، فكان مِن أشدِّ المعارضين للدينِ نكّل بالمسلمين عمرو بن هشام والمعروف في كُتب التاريخِ والسيرة بلقبِ أبي جهلٍ.
عمرو بن هشام
عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميّ من قبيلة كِنانة أحدُ أبرز وأهمّ ساداتِ قريش في الجاهلية، وُلد سنة 52 قبل الهجرة الشريفة في مكة، وهو أحدُ وجهاء قريش وواحدٌ من ساداتها المُطاعين واشُتهر بالحكمةِ والرأي السديد والتفكير السليم ممّا أهَّلَه لدخولِ دار الندوةِ التي تضمُّ الشيوخ والحكماء من قريشٍ وهو شابٌ في الخامسة والعشرين من العمر حتى اُطلق عليه لقبُ أبي الحكم؛ نظرًا لحكمته ورجاحة عقلِه.
موقف عمرو بن هشام من الدعوة
بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الدعوةَ للإسلامِ في قريشٍ مبتدأً بأهله وعشيرته ثم باقي قبائل قريش فآمن له من آمن وكفر به العدد الأكبر خاصةً من زعماء قريشٍ وساداتها المُطاعين أصحاب المال والنفوذ والسلطة، وكان عمرو بن هشام من أشد المحاربين للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وشارك في التنكيل بأصحابه وقتل العديد منهم وعلى رأسهم سُمية بنت الخياط -رضي الله عنها-، بعد أن عذّبها وزوجها وابنها تعذيبًا شديدًا حتى أطلق عليه الرسولُ الكريم لقبَ أبي جهلٍ بدلًا من أبي الحكم، والجهل في لغة العرب ضدّ العقل والحكمة والفطنة؛ فبعد ظهور الإسلام وخوف أبي جهلٍ على مكانته بين قريشٍ ذهب ما كان يتصف به من الحكمة والفِطنة والرأي السديد وأصبحَ جُلّ اهتمامه محارية الإسلام والمسلمين، وقيل إنّ عمه الوليد بن المغيرة هو من أطلق عليه هذا اللقب؛ لِسرعة غضبه لكنَّ الرواية الأولى في الأغلب هي الأرجح.
كما كان أبو جهل صاحبَ المشورة في قتلِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في بيته على يد مجموعةٍ من شباب قريشٍ بحيث يذهب دمه بين القبائل، وقد ردّ الله كيده إلى نحره وأوحى إلى رسوله بالأمر وبضرورة الخروج من مكّة مهاجرًا إلى يثرب.
مقتل عمرو بن هشام
استمرَّ أبو جهلٍ في محاربةِ الإسلام والمسلمين بكلِّ وسيلةٍ مُمكنةٍ، وعندما جاء قريش خبر اعتراض المسلمين لقافلة أبي سفيان القادمة بالتجارة من الشام سعى إلى تأليب قريشٍ على المسلمين وشحذ هِممهم للحرب والقتال؛ فجمع جيشًا من قريش وتوجّه به نحو المدينة، والتقى الجمعان في معركةِ بدرٍ والتي قُتل فيها أبو جهلٍ على يدِ غلامين من المسلمين لم يتجاوزا السادسة عشرة من عمرها وهما: معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح، وأُلقي به في القليب مع باقي قتلى قريش.