جعل الله عزَّ وجل هذا الإنسان المخلوق الأول، جعله خليفةً له، معانٍ كثيرة جداً.
1ـ المعنى الأول لكلمة (خليفة) أي يأتي بعضهم وراء بعض ليتعظوا:
أي أن سيدنا آدم حينما كان في الجنة لم يخرج منها بسبب ذنبه، لا، فسيدنا آدم مخلوق في الأصل للأرض، والدليل هذه الآية، لكن الله جعل هذا الدرس البليغ له ولذريته من بعده،
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (30) ﴾
لكن الله شاءت حكمته أن يعطي سيدنا آدم درساً بليغاً في عداوة الشيطان،
أما مصير الإنسان فهو إلى الأرض، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية، جعله خليفة أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن، جيلاً بعد جيل، كما قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ (165) ﴾( سورة الأنعام: آية " 165 " )
وقال:﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) ﴾( سورة الزخرف )
وقال:﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ (59) ﴾( سورة الأعراف: آية " 169 " )
توضح هذه الآيات معنى كلمة الخليفة، وهو الله عزَّ وجل شاءت حكمته أن يأتي الناس إلى الدنيا تِباعاً، وأن يغادروها تباعاً ليتَّعظ بعضهم ببعض
2ـ المعنى الثاني لكلمة (خليفة) أي لكرامة الإنسان عند الله أعطاه بعض صفاته:
المعنى الثاني: أن الله لكرامة الإنسان عنده أعطاه بعض صفاته، الله عزَّ وجل فرد، وجعل الإنسان فرداً، ليس في الأرض كلها إنسان يشبهُك، أنت فرد نسيج وحدك، بلازما الدم تنفرد بها، رائحة الجلد تنفرد بها، قزحية العين تنفرد بها، الزمرة النسيجية تنفرد بها، نبرة الصوت تنفرد بها، بصمة اليد تنفرد بها، لكرامتك عنده جعلك فرداً لا مثيل لك، ولا مشابه لك، هكذا شاءت حكمة الله، لكرامتك عنده سمح لك أن تُشَرِّع، أعطاك نصوصاً ظنية الدلالة، ولك أن تجتهد، لكرامتك عنده سمح لك أن تُبْدِع عن طريق المورِّثات والتهجين، فالإنسان الآن يبدع في النباتات، وفي الحيوانات، وفي الزراعة، لكرامتك عنده سمح لك أن تحكم، جعلك خليفةً في الأرض لتقيم العدل، وتردع الظالم، وتكافئ المحسن، مَكَّنَك في الأرض، في الشخص القوي بيده مصير الأشخاص الآخرين، هذا خليفة الله في الأرض.
﴿ يَا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ (26) ﴾(سورة ص)
الأنبياء والأولياء والعُلماء والدعاة هؤلاء خلفاء الله في أرضه ليقيموا أمر الدين، والملوك والأقوياء خلفاء الله في أرضه ليقيموا أمر الدنيا، فالله عزَّ وجل أعطى الإنسان قوة، الإنسان لديه قدرة أن يحرك جيشاً، يعلن حرباً، يفجِّر قنبلة مثلاً، سمح الله للإنسان أن يكون قوياً، فكلمة جعله خليفته في الأرض، المعنى الأول: يأتي بعضهم وراء بعض، والمعنى الثاني: لكرامة الإنسان عند الله أعطاه بعض صفاته، وهناك حديث يحتاج إلى شرح طويل:
(( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ ))[ رواه حيى بن جعفر عن أبي هريرة ]
لكرامة الإنسان عند الله عزَّ وجل.
3ـ المعنى الثالث لكلمة (خليفة) أي أن الإنسان مُمَكَّن أمره نافذ ومعه سلطة:
إذا كان لك أولاد، أنت تزوّجت أمهم وأنجبت هؤلاء، جعل أمرهم بيدك، طعامهم وشرابهم بيدك، تربيتهم بيدك،توجيهَهُم بيدك، أنت خليفة الله في أسرتك، أنت معلِّم أنت خليفة الله في صَفَّك، مدير مدرسة أنت خليفة الله في هذه المدرسة، أنت مدير تربية فأنت خليفة الله في هذه المحافظة، وزير تربية في القطر، كل إنسان ممكَّن؛ هذا بالتربية، هذا بالصحة، هذا بالاقتصاد، هذا بالأوقاف، فالإنسان مُمَكَّن معه صلاحية، أمره نافذ، معه سلطة، هذا معنى ثالث.
موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية