رؤية الله ألذ النعيم لا تحتمل طبيعة الإنسان أن ترى الله عز وجل في الدنيا:
مع الآية الخامسة والخمسين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ﴾
قال المفسِّرون: هؤلاء هم السبعون الذين اختارهم موسى معه في المناجاة، حينما رأوا بعض المعجزات طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرةً، والشيء الثابت هو أن الله سبحانه وتعالى هذه سُنَنَه لا تدركه الأبصار في الدنيا، في الدنيا لا يستطيع الإنسان أن يرى الله جهرةً، ما رآه لا رسولٌ، ولا نبي، ولا صدِّيقٌ، ولا ولي، لأن طاقة الإنسان لا تحتمل رؤية الله عزَّ وجل، عندما قال سيدنا موسى:
﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً (143) ﴾( سورة الأعراف: " 143 " )
إذا كان تجلِّي الله عزَّ وجل للجبل جعله دكَّاً فهل يحتمل الإنسان ؟
لا تحتمل طبيعة الإنسان أن ترى الله، لكن في الآخرة:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) ﴾( سورة القيامة )
(( كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا ))
[البخاري مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ]
زيادة على الجنَّة يسمح الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة أن يروا وجهه الكريم:
رؤية وجه الله الكريم هي المعنيَّة بقوله تعالى :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾(سورة يونس: " 26 " )
زيادة على الجنَّة يسمح الله لهم أن يروا وجهه الكريم، فعند أهل السُنَّة والجماعة لا يُرى الله جل جلاله في الدنيا ؛ ولكن النصوص الثابتة، وعلى رأسها القرآن، ومن بعدها السُّنة تؤكِّد أن المؤمن يرى ربَّه جهاراً وعياناً يوم القيامة كما يرى الإنسان البدر في الدنيا، والجزاء الذي ينتظر المؤمن يفوق حدَّ الخيال:
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) ﴾( سورة السجدة )
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)﴾
يروي بعض المفسِّرين: أنَّهم صعقوا، ولكن الله امتنَّ عليهم أنه أحياهم من جديد بعد أن صعقوا ليتابعوا مسيرتهم مع سيدنا موسى.
الإنسان يرى في الدنيا آثار اسم الجَميل في مخلوقاته :
قال تعالى:
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)﴾
لو أردنا أن نتوسَّع قليلاً، الاتصال بالله عزَّ وجل هو قمَّة السعادة في الدنيا، ولكنه اتصال على نحوٍ أراده الله، اتصال إقبال، اتصال توجُّه، اتصال مناجاة، اتصال استغفار، اتصال استعانة، اتصال إنابة، اتصال دعاء، هذا الاتصال المسموح في الدنيا، ولكن يوم القيامة هناك اتصال مباشر، هناك رؤية، فإذا كنت تستمتع أيها الأخ الكريم في الدنيا برؤية جبلٍ أخضر فيه مَسْحَةٌ من جمال الله، أو رؤية جنَّةٍ خضراء، أو رؤية بحرٍ ساكن بزرقةٍ تُحَيِّر الألباب، أو رؤية وجه طفلٍ صبوح فيه من الجاذبيَّة والتألُّق ما لا يوصَف، هذه كلُّها مخلوقاتٌ أخذت من جمال الله مسحات، فكيف لو أتيح للإنسان المؤمن يوم القيامة أن يرى أصل الجمال ؟ أنت ترى في الدنيا آثار اسم الجَميل في مخلوقاته، ألم تر في باقة وردٍ تناسب الألوان، الروائح الشذيَّة، الأزهار تمثِّل جانباً من جمال الله، المناظر الطبيعيَّة الخلاَّبة تمثِّل منظراً من جمال الله عزَّ وجل، الوجوه الصَبوحة تمثِّل مظهراً من جمال الله عزَّ وجل، هذا الجمال الذي أودعه الله في الدنيا لحكمةٍ تربويَّة، لأنه إذا حدَّثنا عن جمال الآخرة وعن الجنَّات التي تجري من تحتها الأنهار، وعن الحور العين، والأولاد المُخَلَّدين، وعن الطعام الطيِّب، وعن الفواكه التي بين أيديهم، وعن هذا اللقاء الطيِّب بين المؤمنين على سررٍ متقابلين، وعن رؤية وجه الله الكريم، إذا حدَّثنا ربنا عن هذا الجمال، وعن هذا الكمال، وعن هذا النعيم المُقيم في الجنَّة، فلولا هذه المرتكزات الجماليَّة في الدنيا لما فهم الإنسان معنى الجمال، ما فهم الإنسان معنى جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ، فالجمال في الدنيا جمال ابتلاء، يعطي الله إنساناً جمالاً، وقد يعطيه جمالاً أقل، وقد يعطيه دمامة أحياناً، فالدنيا دار ابتلاء، قد تجد إنساناً في قمِّة الصلة بالله وليس له وجهٌ صَبوح، هذا شيء موجود، قد تجد إنساناً في أعلى درجة من الكمال وليس له شكلٌ يلفت النظر.
موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية