السؤال :
شيخي الفاضل: ما هو العمر الذي يتم فيه تعليم الابن
الإسلام كمنهج حياة؟ وما هي الكتب التي ينصح بالبدء بها؟
الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتعليم الإسلام كمنهج يبدأ مع بداية الولد، فيُقرع
سمعه بالأذان، ثم تتنوع طرق التعليم.
يقول د. سعيد القحطاني في الهدي النبوي في تربية الأولاد: يبدأ التعليم
للطفل من أول خروجه من بطن أمه إلى هذه الحياة؛ لأنه
من المستحب أن يسمع ما يطرد الشيطان عنه، وأن يطرق
سمعه كلام حسن. وقد ورد في الحديث عن أبي
رافع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذَّن
في أُذن الحسن بن علي عند ولادته (رواه أبوداود، والترمذي)، لأن
هذا الكلام أحسن كلام يطرق أذن المولود، وحيث إن الطفل يعتبر
صفحة بيضاء، فاستحب أن يسمع أولاً وقبل كل شيء ذكر الله
الذي يطرد الشيطان، ثم على والد الطفل عندما يبلغ سن
التعليم، وقد يبدأ من استطاعة الطفل على النطق بالكلام
فليلقنه (لا إله إلا الله)، ويغرس حب الإسلام في قلبه، والعلم
هو الذي يهدي الإنسان إلى معرفة خالقه سبحانه وتعالى، قال
تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً
بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (سورة آل عمران، الآية: 18). ...كما
جاء في السنة الأمر بتعليم الأطفال كل ما يعود عليهم بالنفع في الدنيا
والآخرة، وأول شيء يلقن لهم، ويلقي في أسماعهم، أعذب الكلام
وأطيبه، وهو ذكر الله - سبحانه وتعالى -. قال أبو رافع: رأيت
النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أذَّنَ في أُذُنِ الحَسنَ بن علي حينَ
وَلَدَتْهُ فاَطِمَة)) (رواه الترمذي، وضعفه الألباني). ويتعين على
الوالد والوالدة مواصلة تعليم الطفل، وتربيته بحسب ما تقتضيه
مراحل نموه، فيُعلَّم كيف ينطق، ثم الكلام، وأحسن ما يقال له في هذا
هو تلقينه لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجعل
هذا عند الطفل من باب التسلية له، ويحسن تعليم الأطفال كل ما ينفعهم، ويقوي
أجسادهم، يقول أمير المؤمنين عمر الفاروق - رضي الله عنه -: ((علِّموا أولادكم
السباحةَ والرمي، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً)) وكان عليه الصلاة والسلام
يهتم بالأطفال، ويعتني بهم، ويعلمهم الأدب حتى طريقة الأكل، والشرب
وغير ذلك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن أبي سلمة عندما رآه
يأكل وتطيش يده في الصحفة: ((يا غُلام سمِّ الله، وكُلْ بِيَمينكَ، وكُلْ
ممَّا يَلِيْكَ)) (متفق عليه). وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن
عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((يا غُلَامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ الله
يَحْفَظْكَ، احْفَظْ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ الله، وإذا اسْتَعَنْتَ
فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لو اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لم
يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله لك، وَلَوِ اجْتَمَعُوا على أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ
لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)). رواه الترمذي.
فهذه النصوص المذكورة تدل دلالة واضحة على مدى عناية الشريعة
بالعلم والتعلم، إذاً فواجب على كل والد أن يربي أولاده على
الأخلاق الفاضلة، ويعلمهم دينهم، وأفضل ما يعلم الطفل قبل
كل علم بعد استقامة لسانه هو القرآن الكريم؛ لأنه حبل الله
المتين، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن تمسك به
لم يضل. ثم بعد ذلك يُعلِّمه الصلاة إذا بلغ سبع سنين، مع استمراره
في تعلم القرآن، والسنة النبوية على قدر تحمله وطاقته، ويكون
ذلك على أيدي رجال صالحين. انتهى.
روى ابن أبي شيبة في فصل: مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلَّمَهُ الصَّبيُّ أَوَّلَ مَا يَتَعَلَّمُ.
عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، يُعَلِّمُ
وَلَدَهُ، يَقُولُ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَفَرْتُ بِالطَّاغُوتِ»
عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُلَقَّنُوا الصَّلَاةَ، وَيَعْرِبُ أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ شَيْءٍ يُتَكَلَّمُ بِهِ. انتهى.
وأما التعليم التلقيني الانتظامي كالتحفيظ، ونحوه فهو مبني على مدى استعداد ذهن الصبي؛ فلا يُحتاج إلى التشديد عليه، ولذلك قال ابن أبي شيبة في مصنفه: في الصبيان متى يتعلمون القرآن.
عن عمرو بن شعيب، قال: كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب، علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبعا
أي سبع مرات كما في رواية أخرى): {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}. عن الحسن بن عمرو: جاء بي أبي إلى سعيد بن جبير وأنا صغير، فقال: تعلم هذا القرآن ؟ (استنكار تعليمه في هذه السن المبكرة) ولذلك ذكر المزي القصة وفيها: عن الْحَسَن بْن عمرو ، أنه دخل مع أبيه على سعيد بْن جبير وهو غلام، وقد قرأ القرآن، قال: فقال لأبي: مثلك يعلم مثل هذا، قال أبي: هذا عمل أمه. عن الحسن بن عمرو، عن فضيل، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يعلموا أولادهم القرآن حتى يعقلوا. انتهى.
وقال المزي في تهذيب الكمال: عن إبراهيم : كانوا يكرهون أن يعلموا الغلام القرآن حتى يعقل . وفي رواية، قال: و كانوا يستحبون أن يكون للغلام صبوة . (قال الخطابي: "ميل إلى الهوى")
وجاء في الفواكه الدواني: تنبيهان:
الأول: ينبغي لمن له ولاية على صغير الرفق به، فلا يكلفه من العمل ما
لا يطيقه. قاله في سماع أشهب من كتاب الجامع قال: وسمعته يسأل
عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن، قال: ما أرى هذا ينبغي. قال ابن رشد:
إنما قال هذا لا ينبغي من أجل أن ذلك لا يكون إلا مع التشديد عليه في
التأديب، والتعليم وهو صغير جدا، وترك الرفق به في ذلك، وقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله رفيق ويجب الرفق من الأمر كله» .
الثاني: أول من جمع الأولاد في المكتب عمر بن الخطاب، وأمر عامر بن عبد
الله الخزاعي أن يلازمهم للتعليم، وجعل رزقه من بيت المال، وكان منهم
البليد، والفهيم فأمره أن يكتب للبليد في اللوح، ويلقن الفهيم من غير
كتب، وكان عمر - رضي الله عنه - يشهدهم على الأمور التي يخاف عليها
الانقطاع بطول الزمان كالنسب، والجنس، والولاء، فسألته الأولاد أن يشرع
لهم التخفيف فأمر المعلم بالجلوس بعد صلاة الصبح إلى الضحى العالي، ومن
صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ويستريحون بقية النهار، إلى أن خرج إلى الشام عام
فتحها فمكث شهرا، ثم إنه رجع إلى المدينة وقد استوحش الناس منه، فخرجوا
للقائه فتلقاه الصغار على مسيرة يوم، وكان ذلك يوم الخميس فباتوا معه، ورجع
بهم يوم الجمعة، فتعبوا في خروجهم ورجوعهم، فشرع لهم الاستراحة
في اليومين المذكورين، فصار ذلك سنة إلى يوم القيامة، ودعا بالخير لمن
أحيا هذه السنة، ودعا بضيق الرزق لمن أماتها. انتهى.
فالأمر يدور بحسب قدرة الطفل وانشراحه، وإلا فالشافعي، وسهل
التستري، وغيرهما نُقل عنهم أنهم ختموا القرآن وهم أبناء سبع
أو نحوها، فالعلة هي ما يستطيعه الطفل مع الرفق به.
وراجع فصل بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم، ووجه
تأديبهم، وتحسين أخلاقهم في أول كتاب: إحياء علوم الدين ومختصراته.
والله أعلم.
المصدر : إسلام ويب