أسلوب الثواب والتأديب من الأساليب التـي تستند إليها التربية في كل زمان ومكان وتساعد الآباء والمربين على النجاح والوصول إلى الأهداف المرتقبة في العملية التعليمية التربوية بعناصرها المختلفة. وقد كان الدافع للبحث في هذا الموضوع ما نراه من خلل في سلوك كثير من الأطفال بسبب عدم الاعتدال في استخدام أساليب الثواب والتأديب من قبل كثير من الآباء والمربين.
وذلك عائد إما إلى الجهل بوسائل التأديب التربوي أو الأخذ بمناهج تربية من هنا وهناك في حين أنه يوجد منهج تربوي متكامل لتربية الطفل مستقى من هدي النبي وسنته المطهرة.
فى دراسة للباحثتان بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة طرابلس بلبنان، زينة غمراوي ومنى الدبليز، بعنوان (من أساليب التأديب في السنة النبوية الشريفة)، رأتا أن يكون النبع النبوي الشريف وآراء العلماء فى الفكر التربوي الإسلامي هو الأساس والمرتكز في استنباط الأفكار وتربيتها، آملتين أن يجد فيه الآباء والمربون القواعد التربوية التـي تساعدهم على اختيار الأفضل في التأديب للوصول في النهاية إلى إصلاح أجيال الأمة
تعريف التأديب:
*أ- الأدب في اللغة:
جاء في لسان العرب ما يلي: (الأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس، سمي أدبًا؛ لأنه يأدِّبُ الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح؛ وأصل الأدب: الدعاء.
الأدب أدبُ النفس والدّرسِ، وأدّبه، فتأدّب، علّمه، وفلان قد استأدب: بمعنى تأدّب).
*ب- وفي الحديث عن ابن مسعود مرفوعًا: «إن هذا القرآن مأدبة الله في الأرض فتعلموا من مأدبته».
قال الحافظ ابن حجر: «والأدب: استعمال ما يحمد قولًا وفعلًا، وعبّر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق. وقيل الوقوف على المستحسنات، وقيل هو تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك».
وقيل: إنه مأخوذ من المأدبة– وهي الدعوة إلى الطعام– سمي بذلك؛ لأنه يدعى إليه.
وقال الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى: «وعلم الأدب هو علم إصلاح اللسان والخطاب، وإصابة مواقعه، وتحسين ألفاظه، وصيانته عن الخطأ والخلل، وهو شعبة من الأدب العام».
وأعم من هذا قوله بعد ذلك: «وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل».
وقال الإمام بن المبارك– رحمة الله تعالى-: «وقد أكثر الناس القول في الأدب، ونحن نقول أنه معرفة النفس ورعوناتها، وتجنب تلك الرعونات».
(من خلال هذه التعريفات نجد أن كلمة أدب مرتبطة بالمعنى الأخلاقي التربوي والاجتماعي، وأن التأديب هو تهذيب الأخلاق، وصفة كريمة للنفس، وطيب النشأة والدماثة، ومكارم الأخلاق، وحسن العشرة)
الغرض من التأديب:
اتفق علماء الفكر التربوي الإسلامي على أن الغرض الأساسي من تأديب الطفل هو تهذيب أخلاقه وتزكية روحه وتعويده الآداب الحسنة ليعيش ويحيا حياة طيبة يتعلم فيها:
أ*- أدب الدنيا؛ ليحيا بها: نعدّه فيها ليكون قوي الجسم، مرتب الفكر، يعرف كيف يتعاون مع غيره، وكيف يدبر شؤون نفسه، كيف يقوم بواجبه نحو نفسه، وأفراد أسرته، ومجتمعه، والناس أجمعين، وكيف ينتفع بما وهبه الله تعالى من مواهب، وكيف يستخدم طاقاته المختلفة بما ينفع نفسه وغيره.
ب*- أدب الآخرة، ليكون متصلًا بالله تعالى، يخافه في السر والعلن، ويلزم الدين عقيدة وسلوكًا ومنهج حياة، يؤدي واجبه نحو خالقه وينهج في ذلك نهج منازل (إياك نعبد وإياك نستعين).
من هذا المنطلق جاءت توجيهات النبي تدعو الآباء والمربين إلى العناية بتربية الأبناء وإكرامهم وحسن توجيهم والاستجابة لرغباتهم حتى تؤتي عملية التأديب ثمارها بإذن الله تعالى.
روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم».
وقد بين الإمام الغزالي الغرض من التأديب فقال: «اعلم أن الطريق إلى رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة؛ فإن عُوّد على الخير وعلّمه، نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عُوّد على الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له. وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء»
لماذا الاهتمام بالتأديب التربوي للأطفال؟
يجيب على هذا السؤال أحد علماء الفكر التربوي الإسلامي فيقول: «يكتسب (الطفل) من الأدب الصالح.. العقل النافذ ومن العقل النافذ.. حسن العادة، ومن حسن العادة.. الطباع المحمودة، ومن الطباع المحمودة.. العمل الصالح، ومن العمل الصالح.. رضى الرب».
وهكذا نرى أن التأديب ضرورة تربوية تهذيبية للطفل إذ لا ينبغي الإفراط في تكريمه والاستجابة لجميع ميوله ورغباته حتى لا يكون ذلك عائقًا في تعليمه وتأديبه وهذا ما نبه إليه علماء الفكر التربوي الإسلامي ومنهم أبو الفرج بن الجوزي حيث قال: «ينبغي للمربي والوالد، أن يكتم حبه للولد، لأنه يتسلط عليك، ويضيع مالك، ويبالغ في الإدلال، ويمنع عن التعليم والتأديب».
ذلك لأن السلوك الخضوعي من المربين يؤدي إلى تكوين الغرور والثقة الزائدة بنفسه، مما يؤدي إلى العصيان، والإهمال، وعدم احترام السلطة الضابطة عند الأطفال.
وإذا ما ظهر هذا الميل ظهورًا فعليًا في سلوك الطفل، فإن هذا يؤدي إلى سوء التكيف الشخصي والاجتماعي، ونتيجة لهذا يصبح الطفل في حالة من التوتر الانفعالي ويؤدي إلى سوء الأدب.
وقد بين الماواردي عواقب سوء الأدب فقال: «ويكتسب من الأدب السوء فساد العقل، ومن فساد العقل سوء العادة، ومن العادة السيئة رداءة الطبع، ومن الطباع الرديئة سوء العمل، ومن سوء العمل سوء المقالة وغضب الله».
ونتيجة لما يجري لكثير من الأطفال من سوء التكيف الاجتماعي والشخصي مما يؤدي في النهاية إلى غضب الله، كل هذا يوجب على الآباء والمربين أن يأخذوا بالتأديب منذ الصغر لأن الأدب ينقل الطبع المذموم إلى الطبع المحمود، ولأن الصغير أسلس قيادة وأحسن موتاة وقبولًا.
من أسس الأساليب النفسية المؤثرة في نفس الطفل:
من أجل أن تؤتي التربية ثمرتها وتقل مشكلات السلوك ويستجيب ألأطفال لتوجيهات المربين كان لا بد من مراعاة أسس الأساليب النفسية المؤثرة في نفس الطفل والتـي منها:
1. صحبة الطفل:
تلعب الصحبة دورًا كبيرًا في التأثير على النفس، فهي أشبه بعملية التلقيح بين الصديقين واٍن صحة الولد تساعد على ربطه بالأب أو المربي فيتأثر به ويتخذه قدوة له، ويتعلم منه ما يهذب نفسه، ويلقح عقله ويحسن عاداته.
وقد أٌثر عن النبي أنه كان يصحب الأطفال في كافة الميادين فتارة كان يصحب ابن عباس وتارة أطفال جعفر بن أبي طالب، وأخرى أنسًا رضي الله عنهم أجمعين.
2. ملاعبة الطفل وإدخال الفرح إلى نفسه:
الأطفال يحبون اللعب والفرح، ويؤثر فيهم أيّما تأثير، لذا فإن تحريك هذا الوتر المؤثر في نفس الطفل سيورث الانطلاق والحيوية في نفسه، ويجعله على أهبة الاستعداد لتلقي أي أمر أو إرشاد أو ملاحظة.
وقد أثر عن النبي أنه كان يلاعب الأطفال ويدخل السرور إلى نفوسهم باتباع أساليب شتى منها: الاستقبال الجيد لهم والمسح على رؤوسهم أو خدودهم وتقبيلهم، وممازحتهم، ووضعهم في حجره الشريف، والتسليم عليهم، والأكل معهم وتقديم العطايا لهم، وزيارتهم إذا مرضوا...
والأحاديث في هذا كثيرة منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبـي فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة».
وعن أنس رضي الله عنه قال: مر علينا النبي ونحن نلعب فقال: «السلام عليكم يا صبيان».
وعن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهم قال: «سماني رسول الله يوسف وأجلسنـي في حجره».
3. الاستجابة لميول الطفل وترضيته:
من الأساليب الناجحة في كثير من المواقف الاستجابة لميول الطفل وترضيته حتى يرضى.. فالصغير لا بد من ترضيته وتنفيذ مطالبه لشعوره بالحاجة التـي يطلبها، فإذا تمت الاستجابة انشرحت نفسه وفرح وانطلق بحيوية فائقة وإذا لم يُلبّ طلبه ازداد غيظًا وغضبًا وحمقًا.
والرسول هنا يقرر قاعدة تربوية عظيمة جدًا في حل كثير من مشاكل الطفل.
روى ابن عساكر عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله خرج إلى عثمان بن مظعون ومعه صبي صغير لم يلثمه، فقال له: «ابنك هذا؟ قال: نعم، قال: تحبه يا عثمان؟ قال: إي والله يا رسول الله إني أحبه، قال: أزيدك حبًا له؟ قال بلى فداك أبي وأمي، قال: إنه من ترضّى صبيًا صغيرًا من نسله حتى يرضى، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى».
4. تشجيع الأطفال:
التشجيع من الأساليب التربوية الإيجابية الناجحة في تربية الطفل وله دور كبير في نفس الطفل، وتعديل سلوكه وكشف طاقاته الحيوية وأنواع هواياته، كما أنه يزيد في استمرارية العمل ودفعه قدمًا نحو الأمام بمردود جيد وقد أثر عن النبي أنه كان يشجع في كثير من الأحيان الصحابة رضوان الله عليهم. عن أبي كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «يا أبا المنذر: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: يا أبا المنذر: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري وقال: والله! ليهنك العلم أبا المنذر».
ومن وسائل التشجيع الدعاء، وحسن النداء وعبارات المديح والثناء وإظهار الإعجاب والابتسام وهز الرأس، والمكافآت المادية.
5. المدح والثناء:
لمدح الطفل أثر فعال في نفسه، إذ يحرك مشاعره، وأحاسيسه فيسارع إلى تصحيح سلوكه وأعماله وترتاح نفسه وتزهو لهذا الثناء وتتابع في النشاط وتستمر به. وقد نبه الرسول على هذا الوتر الحساس في نفس الغلام.
أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: « كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت غلاما شابا وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار قال فلقينا ملك آخر فقال لي لم ترع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا». ومن صور الثناء قوله: «من صُنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء».
وجاء في وصية سحنون الفقيه لمعلم ابنه: «لا تؤدبه إلا بالمدح ولطيف الكلام، وليس هو ممن يؤدب بالضرب والتعذيب».
6. حسن النداء:
إن حسن نداء الطفل يثير اهتمامه ويضعه في حالة استعداد لتلقي الكلام ويشعره بمحبة المخاطب له كما أن التنويع في النداء يشعره بأهميته بين الكبار مما هو أدعى لاستجابته وتنفيذ الأوامر الموجهة إليه بكل سرور.
وقد أثر عن النبي أنه كان ينوع في خطابه للأطفال فتارة يخاطب الطفل باسمه فيداعبه بقوله: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»، وتارة يخاطبه بطفولته فيناديه: «يا غلام إني أعلمك كلمات...»، وكثيرًا ما يناديه بنداء العاطفة: «يا بنـي إذا دخلت على أهلك فسلم».
7. زرع التنافس بين الأطفال وتقديم العطايا للفائزين:
التنافس يفجر الطاقة المكنونة في الأطفال، وينشط نفوسهم ويرفع همتهم وينمي مواهبهم ويعزز روح الجماعة والابتعاد عن الفردية.
وقد كان النبي يثير التنافس البناء في نفوس الأطفال ويقدم للفائز منهم العطايا. ومن الأمثلة على هذا حين كان يجري مسابقة الجري بين الأطفال لتنمو عضلاتهم وتقوى أجسامهم.
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصفُّ عبد الله، وعبيد الله، وكثيرًا من بنـي العباس رضي الله عنهم ثم يقول: «من سبق إليّ فله كذا وكذا». قال: فيستبقون على ظهره وصدره فيقبلهم، ويلزمهم