من سرقَ الفأس ؟
يقول الراوي:
لم أعثر على فأسي، فاشتبهتُ بأن جاري قد سرقه مني، فبدأتُ أراقبه عن كثب! كانت مشيته مشية سارق فأس، وكلامه وإشارات يده توحي أن لا أحد غيره قد سرقَ فأسي!
ولكني في الصباح عثرتُ على فأسي، كان ابني الصغير قد وضع كومة من القش فوقه!
نظرتُ إلى جاري في اليوم التالي، فلم أجد فيه شيئاً يشبه سارق فأس، لا مشيته ولا كلامه ولا إشارات يديه، كان كالأبرياء تماماً!
فأدركتُ لحظتذاك بأني أنا من كان اللص، لقد سرقتُ من جاري أمانته وذمته، وسرقتُ من عمري ليلة كاملة أمضيتها ساهراً أفكِّر كيف أواجه بالتهمة رجلاً بريئاً منها!
من هذه القصة يمكن أن نستخلص عدة دروس، أهمها:
الدرس الأول:
مشاعرنا تحكم على نظرتنا إلى الحياة! نحن عندما نحب لا نرى إلا حسنات الذين نحبهم، أو لعلنا حين نرى السيئات نوهم أنفسنا بأننا لا نرى، وعندما نكره لا نرى إلا السيئات،، الحقيقة التي نتجاهلها جميعاً ونحاول أن نهرب منها هي أننا نرى العالم بقلوبنا أكثر مما نراه بعقولنا وعيوننا!
الدرس الثاني:
لحظة شك بأن الجار هو سارق الفأس جعلته يبدو كذلك فعلاً، ولحظة يقين تبين بعدها أنه ليس السارق جعلته يبدو بريئاً! في كثير من الأحيان نحن نصنع أوهامنا، ونحن الذين نصنع قيودنا وأغلالنا، لو تأملنا في كثير من مشاكلنا لاكتشفنا أننا ضحايا أنفسنا!
الدرس الثالث:
الإنسان حين يصدر حكماً على قضية ما، فإنه لا يشرح للآخرين حقيقة هذه القضية بقدر ما يشرح لهم حقيقته هو! نحن نصدر أحكامنا بناءً على مبادئنا وأفكارنا وقيمنا ومعتقداتنا، لهذا بالضبط تختلف أحكام الناس في قضية واحدة! مواقفك من قضايا الآخرين تخبرني أي إنسان أنت!
الدرس الرابع:
إحسان الظن إلى درجة اعتقاد أن جميع الناس ملائكة سذاجة ما بعدها سذاجة! وإساءة الظن إلى درجة اعتقاد أن جميع الناس شياطين خبث ما بعده خبث!
بِرُّ الوطن
يُحكى أن كبير الهررة قد هَرِم، فنبذه قومه لكثرة كلامه بلا علم، وأكله بلا عمل!
لجأ الهر إلى كلبٍ يتربصُ بالقطط العداء، ويريدُ بها شراً.
حشدَ الكلب أقرانه، وجعلوا الهر العجوز في المقدمة ليكون لهم دليلاً، فنجحت الغارة، وتمت مفاجأة الهررة في عقر دارها وهُزمتْ شرّ هزيمة!
عندها اهتزّ ذيل الهر العجوز منتشياً بالنصر، وبدأ يشكرهم على إعادتهم له إلى وكره..
فقال له كبير الكلاب: أيها المغفل، إن وكراً طردتك منه الهررة لن تبقيك فيه الكلاب، لو علم فيك قومك خيراً ما نبذوك، ولو كنتَ وفياً ما كشفتَ قومك، ولو كنتَ قوياً ما لجأت إلينا، الحقْ بقومك، أما الكلاب فلا تنشئ جمعيات خيرية!
العبرة من هذه القصة أن الوطنَ قد يعقُّ أحد أبنائه، ولكن بر الوطن واجب ولو كان ظالماً! على أنَّ الوطن ليس الحكومة! فكما نحن مأمورون ببر آبائنا وأمهاتنا سواء قاموا بواجبهم نحونا أو لم يقوموا، فليس الأمر واحدة بواحدة، وإخلال الأبوين بواجب التربية لا يُسقط عنهما حق برهما، وكذلك الوطن! وكما لا شيء يُبرر عقوق الوالدين كذلك لا شيء يبرر خيانة الوطن، ولم يحدث في التاريخ أن خائناً لوطنه لقي احتراماً ممن عمل لديهم خنجراً في خاصرة وطنه!
لهذا لمْ ينقرِضُوا
قام أحد علماء الأنثروبولوجيا بإجراء مسابقة بين أطفال إحدى القبائل البدائيّة التي لم تصلها «الحضارة» بعد! وضعَ سلةً من الفاكهة اللذيذة وحبات الشوكولا الفاخرة عند جذع شجرة، ثم قال لهم: الآن اركضوا ومن يصل أولاً إلى السلة سيحصلُ عليها وحده!
وكم كانتْ دهشته عظيمة عندما رأى الأطفال قد أمسكوا أيدي بعضهم البعض، ومشوا بهدوء صفاً واحداً، حتى وصلوا إلى السلة معاً، وقاموا باقتسام محتوياتها!
وعندما سألهم عن السبب الذي دفعهم لفعل هذا بينما كان بإمكان واحد منهم أن يفوز بكل شيء، قالوا له بصوت واحد «UBUNTU / أوبونتو»! وأوبونتو تعني بلغتهم «لا للأنانية»!قالوا له: كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً بينما الآخرون تعساء، أنا أكون لأننا نكون!
المدنيَّة تشمل المخترعات المادية، من وسائل اتصالات، وطرق مواصلات، وأدوية، وناطحات سحاب، الخ..أما الحضارة فتشمل القيم والمعتقدات!
لهذا فإنَّ كثيراً من المجتمعات البشرية اليوم متمدنة بشكلٍ رهيب، ولكنها متحضرة بشكل مُخزٍ!
أية حضارة حين تحتل «إسرائيل «المركز السادس عالميا في النزاهة، وهي كدراكولا تعيشُ على شرب دماء أطفال فلسطين!
هذا العالم متمدن، أما كونه متحضراً فهذه مسألة فيها نظر! إن امتلاك أحدنا آخر جهاز آيفون لا يجعل منه إنساناً محترما! ما يجعله محترماً ما في قلبه وعقله لا ما في يديه! وعليه وسِّعْ الدائرة، وقِسْ حال الدُول!
إن أطفال القبيلة البدائية في القصة، أعظم حضارة وإنسانية من ثلاثة أرباع هذا العالم المتمدن!