حينما تعمق العلماء في دراسة دماغ المرأة وجدوا ضالتهم في الاعتقاد الشائع بيننا، منذ بدء الخليقة، وهو أن المرأة تمتلك “قرون استشعار” إن جاز التعبير تجعلها تتميز عن معشر الرجال. فالمرأة حينما “تحدق” في مكان عام بعفوية كما نظن هي في الواقع “تتفحص” وجوه الناس بنظرة تبدو خاطفة لكنها عميقة تتفوق فيها على الرجل. ذلك أن تركيب دماغها يجعلها تلاحظ دقائق المشاعر في تعابير الوجه التي لا ينتبه إليها الذكور.
وهذا ما يجعل قرون استشعارها تبدو “كالمرآة” بحسب تقرير علمي لمؤسسة علم الأعصاب والفيزياء الحيوية عام 2008 بعنوان “الاختلافات بين دماغ الجنسين وشبكاته التي تدعم العاطفة”. حيث ذكر أن العلماء قد وجدوا أن لدى الأنثى خلايا عصبية تمكنها تكشف مشاعر الناس، وظهر ذلك جليا عبر تصوير دماغ النساء فتبين أنها بالفعل “مرآة فعالة” تكشف مشاعر الناس أكثر من الرجل.
وهذا ما جعل الباحثة في العلاقات بين الجنسين باربرا أنيس، التي أفنت حياتها في دراسات علمية على الفوارق بين الجنسين في كبريات الشركات الأمريكية، تقول في كتابها “اعمل معي” إن “الإناث يقضين أوقاتا أكثر في تفحص وجوه من حولهن في حين يركز الذكور على البيئة ال
محيطة بصورة عامة”. وهذا ما يجعل الانثى حينما تدقق في وجه ما فإنها “تنتبه للتعابير الدقيقة micro-expressions البادية في عضلات الوجه وتقاسيمه مثل المنطقة ال
محيطة بالفم. وتستطيع تقدير سرعة تنفس الشخص في إشارة إلى لحظات ارتباك أو خوف الشخص الذي يتنفس عادة بصورة سريعة. وتلاحظ أيضا غضبه، وخوفه، وتعاسته، وفرحه، واشمئزازه واحتقاره، واندهاشه، واستمتاعه”. علما أن هذه الإيماءات الخاطفة تظهر لمدة جزء من الثانية أحيانا!
ومقدرة الأنثي المذهلة على “القراءة” الذهنية لتجارب الآخرين الشخصية يعود إلى بيولوجيا فيها كشفها تصوير مقطعي لدماغها أظهر أن المقرن الأعظم أو الجسم الثفني في الإناث أكبر بصورة ملحوظة مقارنة بالذكور، وهو عبارة عن حزمة من الألياف العصبية Corpus Callosum تربط بين فصي الدماغ الأيسر والأيمن الأمر الذي يجعلها أكثر تعاطفا مع الناس وتتبع مشاعرهم، بحسب كتاب “دماغ المرأة” لمؤلفه “لوان بزيزندين”.
وحتى لحظات صمت المرأة في اجتماعات العمل أو خارجه لا يتوقف فيها رادار الاستشعار والتفكير عن العمل. وكان ذلك جليا في دراسات بزغ نجمها في مطلع التسعينات كشفت أن نسبة تدفق الدم إلى مناطق مختلفة من دماغ المرأة أعلى من الرجل وهو ما يجعل نشاطها الذهني متقد على مدار الساعة. فدماغ المرأة يعمل حتى في لحظات صمتها. ولذا فإنه يصعب عليها فهم لماذا يغضب الرجل حينما تسأله المرأة عن سبب سكوته. فالرجل تبين بيولوجيا أنه يمكن أن "يطفئ محركات دماغه" لردح من الزمن يستجمع به قواه وراحته بخلاف المرأة التي تلوذ بالفرار نحو أقرب شخص تفضفض له عن مكنوناتها.
وهذا كله يعد ردا علميا على من مازال لا يكترث برأيها في حوار ما، وربما لا يلتفت إليها أصلا، رغم البون الشاسع بينه وبينها لاسيما مسالة “قرون استشعارها” لتعابير الوجه والتي لم تعد أساطيرا أو قصصا يتندر فيها الجنسين على بعضهما البعض. الأمر الذي يجعلني أضع دوما وزنا نسبيا أكبر لانطباعاتها عن من يظهر على شاشة التلفاز أو من كنا نتحاور أو نتفاوض معه قبل قليل. واختبرت ذلك بنفسي على توأمين، ذكر وأنثى، فكانت النتيجة مذهلة!
باختصار نحن خلقنا مختلفين ليكمل كل منا الآخر لا أن يتندر عليه أو يقلل من شأنه.