عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب وسبل الاستفادة منهم
في الواقع المعاصر
-----------------------------------------
مقدمة:
الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا، وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزةً واقتدارا، وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذاراً منه وإنذارا، فأتم بهم على من اتبع سبيلهم النعمة، وأقام بهم على من خالف مناهجهم الحجة، وخص بالهداية من شاء منهم نعمة وفضلاً... والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للمؤمنين، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، وامتلأت به الأرض نوراً وابتهاجاً..
المطلب الأول: تعريف الشباب لغةً واصطلاحا.
الشباب في اللغة والاصطلاح:
الشباب في اللغة: جمع شابٍّ، وكذلك الشُبَّان تقول: شب الغلام يشب بالكسر، شبابا وشبيبة، ومادة الكلمة (شَبَّ) تدُلُّ عَلَى نَمَاءِ الشَّيْءِ، وَقُوَّتِهِ فِي حَرَارَةٍ تَعْتَرِيهِ فَالْأَصْلُ هَذَا ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْهُ الشَّبَابُ، الَّذِي هُوَ خِلَافُ الشَّيْبِ
تعريف الشباب اصطلاحًا: "هي مرحلة عمرية تبدأ مع سن البلوغ، وتنتهي مع بداية الكهولة أو الشيخوخة، على خلاف بين العلماء في تحديد هذه السن"
" وَقَالَ مُحَمَّد بنُ حَبيب: زَمَنُ الغُلُومِيَّة سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً مُنْذُ يُولَدُ إِلى أَن يَسْتَكْمِلَها، ثمَّ زَمَنُ} الشَّبَابِيَّة مِنْهَا إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ إِحْدَى وخَمْسِينَ سنة، ثمَّ هُوَ شَيُخٌ إِلَى أَنْ يَمُوتَ.
وَقيل: {الشَّابُّ: البَالِغُ إِلَى أَنْ يُكَملِّ ثَلَاثِين. وَقيل: ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ إِلى اثْنَتَيْن وثَلَاثِين، ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ" .
والشاب " اسْمٌ لِمَنْ بَلَغَ إِلَى أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ هَكَذَا أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ يُقَالُ لَهُ حَدَثَ إِلَى سِتَّةِ عَشَرَ سَنَةً ثُمَّ شَابٌّ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ كَهْلٌ وَكَذَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الشَّبَابِ أَنَّهُ مِنْ لَدُنِ الْبُلُوغِ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ بن شَاسٍ الْمَالِكِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ إِلَى أَرْبَعِينَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الشَّابَّ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ إِلَى أَنْ يُجَاوِزَ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَطَائِفَةٌ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ سُمِّيَ شَيْخًا زَاد بن قُتَيْبَةَ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْخَمْسِينَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الاسفرايني عَنِ الْأَصْحَابِ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللُّغَةِ وَأَمَّا بَيَاضُ الشَّعْرِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ"
-----------------------------------------
ومن خلال التعريف اللُغوي والاصطلاحي لمرحلة الشباب يمكننا أن نبرز أهم الخصائص التي تتميز بها هذه المرحلة، ومن أهمها:
1- القُوَّة: فمرحلة الشَّباب هي مرحلة القوة؛ فالإنسان يكون فيه أقوى ما يكون، وأكثر حماسا لاستخدام قوته.
2- فترة تَفجر الطَّاقات: فيها تتفجر طاقات الإنسان وتظهر مواهبه واستعداداته لأداء أنشطة مختلفة.
3- قلة العلم والوعي غالبا: فمرحلة الشَّباب هي التي تلي مرحلة الطفولة، لا تزال معلومات وخبرات الإنسان عن الحياة قليلة.
4- فترة توهج الشهوة: فالغريزة الجنسية تبدأ في الظهور في بداية فترة الشَّباب وتكون في بدايتها شديدة الَتوهج.
-----------------------------------------
ومن خلال هذه الخصائص نستطيع أن نتعرف على حاجات الإنسان في مرحلة الشباب وهي:
1- التربية والتوجيه: فالإنسان لا يزال في بداية حياته وخبراته قليلة، فيحتاج إلى التعليم والتوجيه والإرشاد، وهو يحتاج في كل الحالات إلى القدوة الحسنة والمثل الأعلى، اللذين يتعلم منهما السلوك والعادات. وبهذا تُصاغ شخصيتُه صياغةً صحيحةً وتنمو نموا طبيعيا.
2- تَحمل المسئولية: وهي حاجة من حاجات الشَّباب أن يشعر بتحمل المسئولية، فلدى الشَّباب القوة والطاقات التي تجعله قادرا على تحمل المسئولية.
3- ضبط الشهوة والسيطرة عليها حتى لا تودي بالشَّباب إلى المهالك"
المطلب الثاني: عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب.
الشباب مرحلة عمرية يمر بها الإنسان، هذه المرحلة من العمر هي أهم المراحل لما تتميز به عن غيرها، لذا فقد عني النبي بهذه المرحلة من العمر عناية خاصة، ووجهها للبناء والخير، وجنبها الهدم والشر، ولا عجب فهوصلى الله عليه وسلم يهدف إلى بناء أمة لا تعرف الوهن والكسل بل تحرص على الخير والعمل من أجل رفع راية الإسلام ورفعتها، وشباب المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى أن يتعرفوا علي مدي حرص حبيبهم صلى الله عليه وسلم عليهم، ويعرفوا أن دينهم دين التجديد والتطور، وأنه صالح لكل زمان ومكان.
والمتأمل في سيرة خير الناس صلى الله عليه وسلم يجد العناية بالشباب من الأشياء العظيمة التي اعتني بها ويبدوا هذا الأمر واضحا جليا من خلال ما يلي:-
1 - توجيهه صلى الله عليه وسلم الشباب إلى ميزان التوسط الحقيقي: ففي الحديث الشريف الذى رواه مجاهد أن عبد الله بن عمرو حدثه قال: " كنت مجتهدا في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا رجل شاب فزوجني أبي امرأة من المسلمين فجاء يوما يزورنا فقال كيف تجدين بعلك؟ قالت نعم الرجل لا ينام الليل و لا يفطر قال فوقع بي أبي و قال زوجتك امرأة من المسلمين فعضلت و فعلت قال: فجعلت لا التفت إلى قوله مما أجد من القوة إلى أن ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: لكني أنام و أصلي و أصوم و أفطر فصم من كل شهر ثلاثة أيام، قال: قلت إني أقوى من ذلك فلم يزل حتى قال: فصم صوم داود صم يوما و أفطر يوما و اقرأ القرآن في كل شهر قال: قلت إني أقوى أكثر من ذلك قال: إلى أن قال: خمسة عشر، قال: قلت: إني أقوى من ذلك، قال: اقرأه في كل سبع حتى انتهى إلى ثلاث، قال: قلت ثلاث....".
وفي هذا الحديث الشريف نري عنايته صلى الله عليه وسلم بالشباب، وحرصه عليهم حيث بين لسيدنا عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن الإسلام لم يقتصر اهتمامه على الجانب الروحي فقط بل وازن بين الجانبين موازنة دقيقة، وضبط العلاقة والنسبة بينهما؛ وبذلك يلتقي العمل للدين والدنيا معا.
-----------------------------------------
2 - اختياره صلى الله عليه وسلم الشباب ليكونوا قادة للجيوش: من أبرز ما يدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بالشباب أن يختار منهم قادة للجيوش التي يكون فيها كبار الصحابة - رضي اللهم عنهم أجمعين - فمن الطبيعي أن يكون الجنود من الشباب لتوفر القوة والنشاط فيهم، كذلك من الطبيعي أن يكون قادة الجيوش ممن تجاوزوا سن الشباب، لأن القيادة تحتاج إلى الخبرة، والخبرة تأتي من كثرة الممارسة.
لكن الناظر في السيرة النبوية يجده صلى الله عليه وسلم يوكل قيادة الجيوش في كثير من الأحيان إلى الشباب " وقد يكون في القوم من كبار السن وأصحاب الخبرة العديد، لكنه صلى الله عليه وسلم يرى شخصية صغيرة في السن، لكنه يروم فيها كبر المعاني ورجاحة العقل، فيعمل على تنميتها ورعايتها حتى تغدو ذات شأن، وتقوى وتعتد بإسلامها، وليعرف الآخرون أن الشخصية الإسلامية لا تقاس بالأعمار ولا بالأجسام بل بقوتها وعزتها بإيمانها وإسلامها"
ومما يدلل على ذلك: اختيار الصحابي الجليل سيدنا أسامة بن زيد - رضي الله عنه - وهو دون العشرين علي رأس جيش فيه كبار الصحابة كسيدنا أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وغيرهما - رضي الله عنهم جميعا - "عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ "
وهذا أنموذج واحد، وكتب السنة النبوية حافلة بهذه النماذج الشابة المبهرة.
-----------------------------------------
3 - غرس الإيمان في نفوس الشباب حتي لا ينحرفوا يمنة أو يسرة عن منهج الله - عز وجل-: فعن أبي هريرة -رضى الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه "
فنجده صلى الله عليه وسلم " خَصَّ الشَّابَّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْبَاعِثِ عَلَى مُتَابَعَةِ الْهَوَى فَإِنَّ مُلَازَمَةَ الْعِبَادَةِ مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلُّ عَلَى غَلَبَةِ التَّقْوَى"
إن في الحديث حثٌّ للشباب للإقبال على الله عز وجل، والنشأة في عبادته سبحانه وتعالى من مقتبل عمرهم وريعان شبابهم، وبذلك يستحقون هذه المكانة الرفيعة، وخصهم بذلك؛ لأن سن الشباب قد يغري بمواقعة المعاصي واقتراف الذنوب، نظرا لما يغُلب على المرء من التسويف، وما قد يتاح له من الأسباب المؤدية إلى المعاصي أو المعينة عليها، كالصحة، والفراغ"
-----------------------------------------
4- غرس قيمة احترام الكبير في نفوس الشباب: "عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ، إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَمَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» وَهُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ، فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا......."
والشاهد من هذا الحديث الشريف: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَبِّرْ كَبِّرْ» والمراد: أَي: "قدم الأسن يتَكَلَّم، وَهُوَ أَمر من التَّكْبِير كَرَّرَه للْمُبَالَغَة" ،وفي هذا الحديث الشريف تعليم للشباب بأن يحترموا الكبير حتي في أصعب الظروف.
ومما يوضح هذا المعني كذلك، الحديث الصحيح الذي رواه سيدنا عَبْدُ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ "
-----------------------------------------
5- كان صلى الله عليه وسلم يحث الشباب علي ممارسة الرياضة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الشباب إلى ممارسة الرياضة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل شارك النبيصلى الله عليه وسلم بنفسه الشباب في ذلك، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ»
-----------------------------------------
6- رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أساء إليه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدٌ مِنَ الْعَرَبِ فِيهِمْ شَابٌّ فَقَالَ الشَّابُّ لِلْكُهُولِ: " اذْهَبُوا فَبَايِعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَحْفَظُ لَكُمْ رِحَالَكُمْ [ص:198] فَذَهَبَ الْكُهُولِ فَبَايَعُوهُ ثُمَّ جَاءَ الشَّابُّ فَأَخَذَ بِحَقْوَيْ، رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَسْتَجِيرُكَ مِنَ النَّارِ فَقَالَ الْقَوْمُ: دَعْهُ يَا غُلَامُ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَهُ لَا أَتْرُكُهُ حَتَّى يُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ فَأَتى جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَجِرْهُ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَجَارَهُ "
-----------------------------------------
7- حث الشباب علي الزواج عند الاستطاعة، وعند عدمها إلى الصوم: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»
يبين النبي صلى الله عليه وسلم للشباب " الحل الأمثل لإطفاء جذوة هذه الغريزة وهو الزواج، فهو الحل الذي يتوافق مع طبيعة الإنسان رجلاً كان أو امرأةً، ولكن الزواج يحتاج لمؤُونة لا يقدر عليها الجميع، فبيَنت السنَّة العلاج في هذه الحالة وهو الصوم، ففي الصوم قربى لله وتقليل لطاقة الجسم ومن ثم تخفيف لحدة الشهوة، وعدم القدرة على الزواج لا يبيح للإنسان الوقوع في الفواحش، بل يجب تحصين الشباب بزاد وفير من التقوى والقيم الإنسانية التي تجعله صلبا قادرا على قهر شهوته والتغلب عليها
ولهذا لما أتي شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يرخص له في الزنا: فَعنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ". قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ [22].
-----------------------------------------
الناظر في هذا الحديث الشريف يجد الصحابة الكرام - رضى الله عنهم أجمعين - يتضجرون مما قاله هذا الشاب حيث قالوا له: " مَهْ. مَهْ". ولا عجب فقد جاء هذا الشاب إلى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الفاحشة، فلم يتحمل الصحابة ما قاله الشاب، ولكن المربي والمعلم صلى الله عليه وسلم عالج القضية بطريقة رائعة، عالجها باللطف والإقناع " فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم صورة كل محارِمه بينه وبين التفكير في الفاحشة، والإنسان السوي بطبيعته غَيور لا يرضى الفاحشة في أهله، فإذا فكر هذا الشاب في الفاحشة تراءت أمامه صورة أمه وأخته وباقي محارمه، مما يجعله بعد ذلك لا يفكر مجرد التفكير في هذا الموضوع" [23].
-----------------------------------------
8 - كثرة الدعاء للشباب: كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة الدعاء للشباب ومن ذلك: ما رواه الصحابي الجليل الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: " اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ، وَقِهِ الْعَذَابَ "[24].
-----------------------------------------
9- حرصه صلى الله عليه وسلم على تعليم الشباب حتي أصبح أكثر الناس رواية للحديث هم الشباب: بلغ من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب، وحرصه على تعليمهم أن صار الشباب هم أكثر الصحابة رواية للسنة النبوية، فمن حمل إلينا معظم هذا الدين، كانوا من الشباب، لم تتجاوز أعمار معظمهم الثلاثين من عمره عند وفاة رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
-----------------------------------------
وفيهم قال القائل:
سَبْعٌ مِن الصَّحبِ فَوقَ الأَلفِ قد نَقَلُوا
مِن الحَدِيثِ عن المُختَارِ خَير مُضَر
أَبُو هُرَيرَةَ سَعْدٌ جَابِرٌ أَنَسٌ
صِدِّيقَةٌ وابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا ابنُ عُمَر.
-----------------------------------------
10 - مراعاته صلى الله عليه وسلم مشاعر الشباب وعواطفهم:" عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَهَيْنَا أَهْلِينَا، فَسَأَلْنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِينَا؟ فَأَخْبَرْنَاهُ - وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا - فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " [25].
وفي هذا الحديث الشريف نجده صلى الله عليه وسلم راعي مشاعر الشباب وأحاسيسهم، حيث أمرهم بالرجوع إلى أهليهم، لما رأي شوقهم إلى أهليهم.
ومن خلال ما ذكرناه من التوجيهات النبوية للشباب، ما عليهم إلا أن يستجيبوا ويمتثلوا أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21] [26] وحينئذ تسعد البلاد بهم، ويجري الخير على أيديهم، في كل زمان ومكان، فهم عدة المستقبل، والأمل المنشود.
المطلب الثالث: سبل الاستفادة من الشباب في الواقع المعاصر:
الشباب هم مصدر الانطلاقة للأمة، وصناعة الآمال، وعز الأوطان، فقد أعطاهم الله - عز وجل - طاقات هائلة لا يمكن وصفها، وبالسهو عنها يكون الارتقاء بهم بطيئا، وهناك بعض السبل التي يمكننا من خلالها، أن نرتقي بالشباب، في ظل هذا الظروف التي تعانيها الأمة في هذه الأيام.
-----------------------------------------
ومن سبل الارتقاء بالشباب ما يلي:
1- تربية الشباب على العقيدة الإسلامية، و تعريفهم برسالتهم السامية، وبثّ تعاليم الإسلام في نفوسهم، وإبراز ما ينبغي أن يكون عليه الشباب من استقامة واعتدال،، لكي يؤدُّوا ما ينتظرهم من مهمَّات جسيمة، في خدمة دينهم، ووطنهم، وأُمَّتِهم.
2- الإيمان بقيمة وقامة ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ما جاء إلا لهداية البشرية وإخراج العالمين من الظلمات إلى النور، مع التأكيد على ضرورة تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الشباب حول سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والدعوة إلى التمسك بها بأسلوب بسيط واضح.
4- تنظيم الدورات العلمية والمهنية النافعة للشباب، حتي يرتقوا في مجالهم العلمي والمهني، وحتي تجني الأمة ثمار عطائهم، وحتي يشعروا بقيمتهم ورسالتهم في الحياة، كذلك عمل ندوات دورية يكون القصد منها بث روح الإيجابية في نفوس الشباب، ونزع السلبية من نفوسهم.
6- مناقشة الشباب والاستماع إلى آرائهم، وتنمية مهاراتهم، ليشاركوا في حلِّ مشكلات أمتهم، كذلك إقامة مسابقات للشباب نستطيع من خلالها معرفة مواهبهم وما يجيدوه.
8 - توفير فرص للعمل والشغل للقضاء على مشكلة البطالـة الّتي باتت تنخر العمود الفقري للمجتمع وتهدّد أكثر أفراده بالضّياع والفقر والتشرّد.
9- تيسير أمور الزواج للأولاد والبنات في سن مبكر ما أمكن، وتشجيعهم على ذلك، وتسهيل العوائق التي تمنع ذلك.
10- استخدام أسلوب المناقشة العقلية الهادفة، مع الأبناء والبنات، للتعرف على المشكلات التي يعانون منها ومساعدتهم في حلها.
11- تعويد الشباب على تحمل المسؤولية منذ الصغر، وتدريبهم على الأعمال المثمرة بدلا من تدليلهم.
12- العمل علي تدعيم المقررات الدراسية بما يقوى الأخلاق ويثبت دعائم الدين في نفوس الشباب منذ الطفولة المبكرة.
13- استيعاب الطاقات الشبابية في الأعمال الخيرية والتطوعية.
14- تحذير الشباب من مخاطر التدخين والمخدرات، وتشديد العقوبة علي المتاجرين والمروجين لهذه المنكرات.
15- غرس روح الوسطية الحقيقية في نفوس الشباب،حتي لا ينحرفوا عن المنهج الإسلامي فيقعون في براثن التطرف.
16- دعوة وسائل الإعلام - بكافة أنواعها - إلى تقديم برامج مفيدة للشباب، وإلغاء البرامج الهابطة التي ما جني الشباب من خلالها إلا كل سوء.
تلك بعض المقترحات التي يمكننا من خلالها أن نسهم في عملية النهوض والرقي بالشباب، في هذه الفترة العصيبة، والتي يعمل أعداء الإسلام فيها - بكل جهودهم - علي نزع القيم والمبادئ السامية من نفوس شباب المسلمين، لينحرفوا عن منهج الله - عز وجل - إما بالإفراط أو التفريط.
-----------------------------------------
الخاتمة: وتشمل أهم النتائج والتوصيات.
النتائج:
1- اعتني النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب عناية فائقة، لأن الشباب هم عماد الحاضر والمستقبل، وهم الذين يحملون هم الدعوة والجهاد، وعليهم سواعدهم تقوم الأمة وتنهض.
2 - عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالشَّباب تتسم بالواقعية والشمولية، فهي لا تُغفل أي جانب من جوانب حياة الشباب، بل تهتم بهذه الفئة من جميع الجوانب.
3- القائد الناجح: هو الذي يستطيع أن ينمي قدرات من يقودهم - كل في مجاله - حتي يصلوا إلى قمم الأمور ومعاليها، وليكن له في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
4- ضرورة إدراك الشباب لمهمتهم في مجتمعاتهم، وأن يمكنوا من القيام بدورهم ومسؤولياتهم.
-----------------------------------------
التوصيات:
1- الوصية بالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في كافة القضايا ففيهما العلاج الشافي.
2- توصيات لتفعيل دور وسائل الإعلام لمواجهة مشاكل الشباب - الأسباب والحلول-.
3- توصيات لحجب المواقع التي تضر الشباب والتي تدعو إلى الفساد والشر.
4- توصيات لعمل قنوات شبابية إسلامية، تهدف إلى تقوية الوازع الديني عند الشباب.
5- توصيات لإقامة ندوات دائمة، للتواصل مع الشباب.
هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من تقصير أو خلل فمنى ومن الشيطان، وأسأل الله أن يهدينا سبل السلام، فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.