• الآية 50: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ يعني إنَّا أبَحْنا لك الزواج من أزواجك ﴿ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ أي اللاتي أعطيتهنّ مهورهنّ ﴿ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ يعني: وكذلك أبَحْنا لكما مَلَكَتْ يمينك من الإماء (الجواري) ﴿ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ﴾ يعني مما أنعم الله به عليك من أَسْرَى الجهاد (كصَفيّة بنت حُيَيّ، وجُوَيرية بنت الحارث) رضي الله عنهما، ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ ﴾ يعني: وأبَحْنا لك الزواج منبنات عمك ﴿ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ﴾ (بخِلاف مَن لم تهاجر وبقيتْ في دار الكفر)، ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً ﴾ يعني: وأبَحْنا لك الزواج منامرأة مؤمنة ﴿ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ ليتزوجها مِن غير مهر ﴿ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ﴾: يعني إن كنت أيها النبي تريد الزواج منها، فهذا حلالٌ لك ﴿ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعني ليس لغَيرك من المؤمنين أن يتزوج امرأة بالهِبَة (من غير مهر)، ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ يعني: قد عَلِمْنا ما أوجبنا على المؤمنين من أحكامٍ ﴿ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ وهو أنهم لا يزيدون على الأربع (بشرط وجود الشهودوالمهر ووَليِّ المرأة)، وأنهم يتزوجون ما شاؤوا من الإماء (بشرط أن تكون المملوكة مسلمة أو من أهل الكتاب)، قد عَلِمْنا كل هذا، ولكننا رَخَّصنا لك في بعض أمور النكاح - كالزيادة على الأربع والزواج من غير مَهر - ﴿ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ﴾ في نكاح مَن شئتَ مِن هؤلاء المذكورات في الآية، لأن الله هو الذي وَسَّعَ عليك، فلا تهتم بقول أحد من الناس ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لك حينَ تحَرَّجتَ مِن نكاح "زينب بنت جحش" خوفاً من كلام المنافقين، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بك وبالمؤمنين (حيثُ وَسَّعَ عليكم ما لم يُوَسِّع على غيركم من أهل الشرائع الأخرى).
• الآية 51: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ يعني: إنّ اللهَ قد أذِنَ لك أن تؤخر مَن تشاء مِن نسائك في قسْمتها في المَبيت، ﴿ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ يعني: وتضم إليك مَن تشاء منهنّ فتَبيت عندها، ﴿ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ ﴾ يعني: ومَن طَلَبْتَ المبيت عندها من نسائكَ ﴿ مِمَّنْ عَزَلْتَ ﴾ يعني ممن كنتَ اعتزلتَ المبيت عندها لأمرٍ ما: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ أي: فلا إثم عليك في طلبها والمبيت عندها متى شئت، (وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) يعني: ومَن طَلَبْتَها - ممن اعتزلتَ المبيت عندها - فلا إثم عليك في أن ترجع وتَبيت عندها).
﴿ ذَلِكَ ﴾ يعني ذلك التخيير الذي أعطاه الله لك في شأن نسائك هو ﴿ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ﴾: يعني أقربإلى أن تفرح زوجاتك بما تصنعه معهنّ في شأن القسمة والمبيت (لأنه أمْر الله تعالى وهُنّ مؤمنات)، ﴿ وَلَا يَحْزَنَّ ﴾ بل يَقبلنَ ما تفعله برضا نفسٍ وارتياح (بعد أن عَلِمنَ أنّ الله هو الذي أوحى إليك بذلك، وليس اجتهاداً من عند نفسك)، ﴿ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ يعني: ويَرضَيْنَ كلهنّ بما قسمتَ لهنَّ (مما أنت مُخَيَّر فيه).
♦ ورغم هذا التخيير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَعدل بين نسائه في المبيت، إلا ما كان مِن "سَودة" رضي الله عنها، فإنها وهبتْ ليلتها لعائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم هذا قسْمي فيما أملك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك" (والمقصود أنه كان يحب عائشة رضي الله عنها أكثر من باقي نسائه)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ أي يعلم ما في قلوبالرجال مِن مَيْلها إلى بعض النساء دونَ بعض، (وإنما خَيَّرَ الله رسوله تيسيراً عليه لعِظَم مَهامّه، التي لا يتحملها أقوى الرجال)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ بما في القلوب ﴿ حَلِيمًا ﴾ لا يُعاجل مَن عَصاه بالعقوبة، ويَقبل التوبة من عباده.
♦ واعلم أن هذه الآيات تحمل تخفيفاً من الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، لِما يلاقيه من إيذاء ومشقة في سبيل الدعوة، وفي الإصلاح والمؤاخاة بين المسلمين، ومِن فرْض قيام الليل عليه بصفة خاصة، وغير ذلك من الأمور الشاقة، فأكرمه سبحانه بهذه الآية، حيثُ أباح له الزواج بأكثر من أربع، وأباح له أن يتزوج الواهبة نفسها بغير مهر ولا وَلِيّ، وخَيَّره في تأخير القسمة بين أزواجه (ولم يُبح تلك الأمور لغيره من المؤمنين).
• الآية 52: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ﴾ أي لا يجوز لك أن تتزوج بعد نسائك التسع (اللاتي في عِصمتك)، وذلك إكراماً لهن، لأنهنّ اخترنَ اللهَ ورسوله والدار الآخرة، ورَضَينَ بما قَسَمه الله لهنّ، ﴿ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾ يعني: ولا يَحِلّ لك أن تطلِّقهنّ وتأتي بغيرهنّ بدلاًمنهنّ ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ ﴿ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ يعني: وأمّا ما ملكتْ يمينك من الإماء، فحلالٌ لك مَن شئت منهنّ، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ لا يغيب عن علمه شيءٌ، ألاَ فخافوه أيها الناس وراقِبوه، فإنكم ستَرجعون إليه بعد موتكم.
♦ وهنا ينبغي أن نَرُدّ على الشُبهة التي تقول: (لماذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم تِسعاً مع أن الشرع لم يَحِلّ للرجل إلا أربعاً؟)، فدعونا نُجيبهم ابتداءً أنه لا يُعقَل أبداً من شخص يُخبر الناس أنه نبي ثم يأتي بكل بساطة ليأمرهم بفعل شيء ويفعل هو خِلافه، فإنه بذلك يعطي الفرصة لأعدائه أن يأخذوا ذلك حُجَّةً عليه، فتَبَيّنَ مِن ذلك أنه يستحيل أن يَصدر ذلك الأمر إلا من شخص واثق - تمام الثقة - أنه يفعل ذلك بأمر ربه، وليس مِن عند نفسه، كما قال تعالى له: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)، وقال أيضاً: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ)، إلى أن قال تعالى له: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ)، فقوله: (لَا يَحِلُّ لَكَ) يُفهَم منه أن الله هو الذي أحَلّ له الزواج مِن نسائه التسع (بصفةٍ خاصة ولأسبابٍ معلومة)، منها ما تقدم في الآيات السابقة في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا).
• الآية 53: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ ﴾ يعني إلاأن يَأذن لكم النبي لتناول طعامٍ ﴿ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ يعني غير منتظرين نُضجه وأنتم في بيته تتحدثون، ﴿ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ ﴾ بعد أن يَنضج الطعام ﴿ فَادْخُلُوا ﴾ ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ﴾ أي انصرفوا ﴿ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ يعني: ولا تَمكثوا مستأنسينَ لحديثٍ بينكم في بيت النبي بعد الأكل، ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ ﴾ أي انتظار نُضج الطعام والحديث بعد الأكل ﴿ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ﴾ أي يستحيي من إخراجكم من بيته مع أنّ له الحق في ذلك، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ أي لا يستحيي سبحانه من بيان الحقوإظهاره.
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا ﴾: يعني إذا طلبتم من نساء النبي حاجةً من أواني البيتونحوها: ﴿ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾: أي اسألوهنّ من وراء سِتر ﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ من الخواطر التيتَعرض للرجال في أمْر النساء، وللنساء في أمْر الرجال؛ إذ الرؤية هي سبب الفتنة، (فسبحان الله العظيم، إذا كان ذلك في حق الصحابة الأخيار، ونساء النبي الأطهار، فما بالُ مَن يجلسون على الطعامِ نساءً ورجالاً - مِن غير المحارم - يأكلون ويتحدثون؟! هل قلوبهم أطهر مِن أولئك الأبرار؟!).
﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﴾ بأيّ نوع من أنواع الإيذاء ﴿ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ﴾: أي لا يَحِلّ لكم أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته (لأنهنّ أمهاتكم، ولا يَحِلُّ للرجل أن يتزوج أمَّه) ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ (وقد امتثلتْ الأمّة لهذا الأمر، فلم يتزوج أحدٌ نساءَ النبي من بعده).
• الآية 54: ﴿ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا ﴾: يعني إن تُظْهِروا شيئًا على ألسنتكم - أيها الناس - مما يؤذي رسول الله ﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ في نفوسكم (كإخفاء الرغبة في الزواج مِن نسائه مِن بعده): ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ أي يَعلم سبحانه ما في قلوبكم وماأظهرتموه، وسيجازيكم عليه أشد الجزاء إن لم تتوبوا.
• الآية 55: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ ﴾: يعني لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من آبائهنّ ﴿ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ ﴿ وَلَا نِسَائِهِنَّ ﴾ أي نساء أُمَّتِهنّ (والمقصود: النساء المُسلمات، أما النساء الكافرات فلا يَرَونَ منهنّ إلا الوجه والكفين، وأما غير ذلك فيكون إظهاره لهنّ للضرورة)، ﴿ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ يعني أو العبيد المَملوكونَ لهنّ، (فلِلمُسلمة أن تكشف وجهها لخادمها المملوك، لشدة الحاجةإليه في الخدمة)، ﴿ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ﴾ أيتها النساء، فلا تُظهِرنَ مِن زينتكنّ ما ليس لكُنَّ أن تُظهِرنَه، ولا تترُكنَ الحجاب أمام مَن يجبعليكنّ الاحتجاب منه) ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴾ أي يَشهد سبحانه على أعمالكنّ - ظاهرها وباطنها - وسيَجزيكُنّ عليها فاتقوه.
• الآية 56: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾: أي يُثني سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم عند الملائكة المُقرَّبين،وملائكته يُثنون على النبي ويدعون له، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (وقد ثبت في الصحيحين أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، قد عَلِمنا كيف نُسَلِّم عليك - يقصدون بذلك قولهم في التشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) - فكيف نصلي عليك؟)، فقال لهم: "قولوا: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد،اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌمجيد)".
♦ وقد ثبت في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، نذكر منها: "مَن صَلَّى عليَّ مِن أُمَّتي صلاةً مُخلِصاً من قلبه: صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكَتَبَ له بها عشر حسنات، ومَحا عنه بها عشر سيئات" (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج: 2).
• الآية 57: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ﴾ (بالمعاصي، وزَعْم الشريك والولد له سبحانه)، ﴿ وَرَسُولَهُ ﴾ بالأقوالأو الأفعال، أولئك ﴿ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي طَرَدهم الله مِن كل خيرٍ ورحمة ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ ﴾ فيالآخرة ﴿ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ أي عذاباً يُهينهم ويُذِلّهم.
• الآية 58: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ﴾ أي يؤذونهم بقولٍ أو فِعل مِن غير ذنبٍ عملوه: ﴿ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ أي ارتكبوا أفحَش الكذب، وجاءوا بذنبٍ ظاهرَ القُبح، يَستحقون به العذاب في الآخرة.
• الآية 59: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ ﴾ يعني يُسدِلنَ على رؤوسهنّ وصدورهنّ ووجوههنّ ﴿ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ أي مِنمَلاحفهنّ (وهو ما يُشبه "الإسدال" و"العباءة" وغير ذلك)، ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ ﴾: يعني ذلك أقرب أن يُمَيَّزنَ بالسِتروالصيانة والعِفّة ﴿ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ أي: فلا يَتعَرَّض لهنّ أحد بمكروه أو أذى، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ (حيث غفرلكم ما تقدم منكم بسبب توبتكم، ورَحِمَكم بما أوضح لكم من الحلال والحرام).
• الآية 60، والآية 61، والآية 62: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ ﴾ (الذين يُخفونَ الكُفر، ويُظهرونَ الإيمان) ﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ أي في قلوبهم شك (وهم ضِعاف الإيمان)، ﴿ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ (وهم الذين يَنشرون الأخبار الكاذبة في "المدينة" لتخويف الناس)، لئن لم يَنتهِ هؤلاء جميعًا عنشرورهم وأفعالهم القبيحة: ﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴾ أي: سوف نُسَلِّطك عليهم أيها الرسول بالقتل والإخراج، ﴿ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ أي لا يَسكنون معك في "المدينة" إلا زمنًا قليلًا، ثم يَخرجون منها أو يَهلكونَ وهم ﴿ مَلْعُونِينَ ﴾ أي: مطرودين من رحمة الله، ﴿ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا ﴾ يعني: في أيِّ مكانٍ وُجِدوا فيه: أُسِروا ﴿ وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾ (ماداموا مقيمينَ على النفاق، ونَشْر الأخبار الكاذبة بين المسلمين، بغَرَض الفتنةوالفساد)، وقد كانت هذه ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ أي: هذه هي طريقته سبحانه في مُنافِقي الأمم السابقة؛ أن يؤسَروا ويُقَتَّلوا أينماكانوا، ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ يعني: لن يستطيع أحد أن يُغيِّر طريقة الله في خَلْقِهِ وكَوْنه.
• الآية 63: ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ أي: يسألك كفَّار مكة عن الساعة التي تقوم فيها القيامة (استبعادًا لها وتكذيبًا)، ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ أي لَعَلَّ زمانها يكون قريبًا، فإنَّ كل آتٍ قريب.
• من الآية 64 إلى الآية 68: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ ﴾ أي: طَرَدهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ سَعِيرًا ﴾ أي: نارًا مُوقدة شديدة الحرارة ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ﴿ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا ﴾ يَنفعهمويُدافع عنهم، ﴿ وَلَا نَصِيرًا ﴾ يَنصرهم من عذاب ربهم ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾، فـ ﴿ يَقُولُونَ ﴾ نادمين: ﴿ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ (لنكون مِن أهل الجَنَّة)، ﴿ وَقَالُوا ﴾: ﴿ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا ﴾ يعني: أطَعْنا أئمَّتنا في الضلال، وقادتَنا فيالشرْك ﴿ فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ أي: أضلونا عن طريق الهُدى والإيمان، ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ الذي تُعَذِّبنا به، ﴿ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ أي: اطرُدهم مِن رحمتك طردًا شديدًا، (وفي هذا تحذيرٌ من مصاحبة صَديق السوء، فإنه يؤدِّي بصاحبه إلى النار).
• الآية 69: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى ﴾ أي: لا تؤذوا رسولَ الله بقولٍ أوفِعل، حتى لا تكونوا مِثل الذين آذَوا نبيَّ الله موسى، ﴿ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾ من الكذب في حقِّه، ﴿ وَكَانَ ﴾ موسى ﴿ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ أي: كان عظيم القَدْر والجاه عند الله تعالى.
• الآية 70، والآية 71: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي: اعملوا ما يُرضِيه، واجتنِبواما يُغضبه (خوفًا من عذابه) ﴿ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ أي: قولًامستقيمًا موافقًا للصواب، (خاليًا من الكذب والباطل)، فإنكم إنْ تفعلوا ذلك ﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ الدينية والدنيوية، (فيَقْبَل سبحانه أعمالَكم، ويُطَهِّر نفوسَكم، ويُطَمْئِنَ قلوبَكم، ويُيَسِّر أمورَكم) ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ فلا يُعاقبكم عليها؛ (كل ذلك متوقف على التقوى، والصبر على التقوى، والتزام الصدق)، ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ (بدخول الجَنَّة، والنجاة من النار).
• الآية 72، والآية 73: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ﴾ - وهي التكاليف الشرعية كلها - فعَرَضَها سبحانه ﴿ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾(عَرْضَ تخييرٍ لا إلزامَ فيه) ﴿ فَأَبَيْنَ ﴾ أي: رفضْنَ ﴿ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ﴾ (لثِقلها وضخامتها)، ﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ أي: خِفْنَ مِن عاقبة تضييعها، وألَّايَقُمنَ بأدائها على الوجه الأكمل، ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ بعد أن عُرِضَتْ عليه - والمقصود بالإنسان هنا آدم عليه السلام - فحَمَلها بما فيها من ثواب وعقاب، والتزم بها رغم ضَعفه، ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي: أكثر بني آدم - وهو الصنف الذي ضَيَّع الأمانة، وأسرَف في المعاصي - ﴿ كَانَ ظَلُومًا ﴾ لنفسه؛ (لأنه يُعَرِّضها للمَهالك)، ﴿ جَهُولًا ﴾ بعواقب الأمور.
♦ وقد حَمَلَها الإنسان - قضاءً وقدرًا منه سبحانه - ﴿ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ﴾ (إنْ أصرُّوا على ما هم فيه من الضلال، ولم يتوبوا من التفريط في الأمانة التي حَمَلوها)، ﴿ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾؛ بستْر ذنوبهم، وتَرْك عقابهم ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لكل مَن تابَ إليه من عباده، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم، حيثُ جعل التوبة نجاةً لهم من عذاب جهنم.
.......
من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف أ.د. التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
رامى حنفى محمود
شبكة الألوكه الشرعية