أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي (أصناف بالله ظن السوء)

لطائف من "زاد المعاد في هدي خير العباد"
(أصناف بالله ظن السوء)


وأكثر الناس يظنون بالله غيرَ الحق ظنَّ السَّوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يَسلَم من ذلك إلا من عرَف الله، وعرف أسماءه وصفاته، وعرف مُوجِب حمده وحكمته، فمن قَنَطَ من رحمته، وأيِس من روحه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.
الظانين


ومن جوَّز عليه أن يعذِّب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم، ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.



ومن ظن أنه يترك خَلْقَه سُدًى معطَّلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رُسُلَه، ولا يُنزل عليهم كتبه، بل يتركهم هَمَلًا كالأنعام، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.



ومن ظن أنه لن يجمعهم بعد موتهم للثواب والعقاب في دارٍ يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبين لخَلْقِهِ حقيقةَ ما اختلفوا فيه، ويُظهِر للعالمين كلهم صِدْقَه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.



ومن ظن أنه يضيِّع عليه عملَه الصالح الذي عمِله خالصًا لوجهه على امتثال أمره، ويبطله عليه، بلا سبب من العبد، أو أنه يعاقبه بما لا صنع له فيه ولا اختيار له، ولا قدرة ولا إرادة في حصوله، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به، أو ظن به أنه يجوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، ويجريها على أيديهم يضلون بها عباده، وأنه يحسُن منه كل شيء حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته، فيخلِّده في الجحيم أسفل السافلين، وينعم من استنفد عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين في الحسن سواء عنده، ولا يعرف امتناع أحدهما، ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[1].



ومن ظن به أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق لم يخبر به، وإنما رمز إليه رموزًا بعيدة، وأشار إليه إشاراتٍ مُلْغِزة، لم يصرح به، وصرَّح دائمًا بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد من خَلْقِهِ أن يُتعِبوا أذهانهم وقُواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وتأويله على غير تأويله، ويتطلَّبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة، والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه، بل أراد منهم ألَّا يحملوا كلامه على ما يعرفون من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويريحهم من الألفاظ التي تُوقِعهم في اعتقاد الباطل، فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان - فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء؛ فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبَّر به هو وسلفه، فقد ظن بقدرته العجز، وإن قال: إنه قادر ولم يبين، وعدل عن البيان - عن التصريح بالحق - إلى ما يُوهِم بل يُوقِع في الباطل المحال، والاعتقاد الفاسد، فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء، وظن أنه وسلفه عبَّروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم، وأما كلام الله، فإنما يُؤخَذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام الْمُتَهَوِّكِين[2] الحيارى هو الهدى والحق، وهذا من أسوأ الظن بالله؛ فكل هؤلاء من ﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ﴾ [الفتح: 6]، ومن الظانين به ﴿ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران:

ومن ظن به أن يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يقدر على إيجاده وتكوينه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[3].



ومن ظن به أنه كان معطَّلًا من الأزل إلى الأبد عن أن يفعل، ولا يوصف حينئذٍ بالقدرة على الفعل، ثم صار قادرًا عليه بعد أن لم يكن قادرًا، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[4].



ومن ظن به أنه لا يسمع ولا يبصر، ولا يعلم الموجودات ولا عدد السماوات ولا النجوم، ولا بني آدم وحركاتهم وأفعالهم، ولا يعلم شيئًا من الموجودات في الأعيان، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[5].



ومن ظن به أنه لا سمع له ولا بصر، ولا علم ولا إرادة، ولا كلام يقوم به، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق ولا يتكلم أبدًا، ولا قال ولا يقول، ولا له أمر ولا نهي يقوم به، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[6].



ومن ظن به أنه ليس فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، وأن نسبة ذاته تبارك وتعالى إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل سافلين، وإلى الأمكنة التي يُرغَب عن ذكرها، وأنه أسفل كما أنه أعلى، وأن من قال: (سبحان ربي الأسفل)، كان كمن قال: (سبحان ربي الأعلى)، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.



ومن ظن به أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان، ويحب الفساد، كما يحب الإيمان والبر والطاعة والإصلاح، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[7].







ومن ظن به أنه لا يحب ولا يرضى، ولا يغضب ولا يسخط، ولا يوالي ولا يعادي، ولا يقرُب من أحدٍ من خَلْقِهِ، ولا يقرب منه أحدٌ، وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته كذوات الملائكة المقربين وأوليائه المفلحين، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.



ومن ظن به أنه يسوِّي بين المتضادين، أو يفرق بين المتساويين من كل وجه، أو يحبط طاعات العمر المديد الخالصة الصواب بكبيرة واحدة تكون بعدها، فيخلِّد فاعل تلك الطاعات في الجحيم أبد الآبدين لتلك الكبيرة، ويحبط بها جميع طاعاته، ويخلِّده في العذاب كما يخلِّد من لم يؤمن به طرفة عين، واستنفد ساعات عمره في مساخطه ومعاداة رسله ودينه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء[8].



وبالجملة فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه ووصفته به رسله، أو عطَّل حقائق ما وصف به نفسه ووصفته به رسله، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.



ومن ظن أن له ولدًا أو شريكًا، أو أن أحدًا يشفع عنده بدون إذنه، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه، أو أنه نصَّب لعباده أولياءَ من دونه يتقربون بهم إليه، ويتوسلون بهم إليه، ويجعلونهم وسائط بينه وبينهم، فيدعونهم ويخافونهم ويرجونهم، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.



ومن ظن أنه يُنال ما عنده بمعصيته ومخالفته، كما يُنال بطاعته والتقرب إليه، فقد ظن به خلاف حكمته، وخلاف موجب أسمائه وصفاته، وهو من ظن السوء

ومن ظن به أنه إذا ترك لأجله شيئًا لم يعوِّضه خيرًا منه، ومن فعل لأجله شيئًا لم يُعْطِهِ أفضل منه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.


ومن ظن به أنه يغضب على عبده ويعاقبه ويحرمه بغير جُرْمٍ ولا سبب من العبد، إلا بمجرد المشيئة، ومحض الإرادة، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء.


ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرع إليه وسأله، واستعان به وتوكل عليه، أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء، وظن به خلاف ما هو أهلُه.



ومن ظن به أنه يُثيبه إذا عصاه بما يُثيبه به إذا أطاعه، وسأله ذلك في دعائه، فقد ظن به خلاف ما تقتضيه حكمته وحمده، وخلاف ما هو أهله، وما لا يفعله.


ومن ظن به أنه إذا أغضبه وأسخطه وأوضع في معاصيه، ثم اتخذ من دونه وليًّا ودعا من دونه مَلَكًا أو بشرًا حيًّا أو مَيتًا، يرجو بذلك أن ينفعه عند ربه ويخلِّصه من عذابه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوء، بل ذلك زيادة في بُعْدِهِ من الله وفي عذابه.


ومن ظن أنه يُسلِّط على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أعداءه تسليطًا مستقرًّا دائمًا في حياته وفي مماته، وابتلاه بهم لا يفارقونه، فلما مات استبدوا بالأمر دون وصيِّه[9]، وظلموا أهل بيته وسلبوهم حقَّهم وأذلوهم، وكانت العزة والغلبة والقهر لأعدائه وأعدائهم دائمًا من غير جرم ولا ذنب لأوليائه وأهل الحق، وهو يرى قهرهم لهم وغصبهم إياهم حقَّهم وتبديلهم دينَ نبيه، وهو يقدر على نصرة أوليائه وحزبه وجنده، ولا ينصرهم ولا يُديلهم، بل يُديل أعداءهم عليهم أبدًا، أو أنه لا يقدر على ذلك، بل حصل هذا بغير قدرته ولا مشيئته، ثم جعل الْمُبدِّلين لدينه مُضاجِعيه في حفرته، تُسلِّم أُمَّتُه عليه وعليهم في كل وقت، كما تظنه الرافضة، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه، سواء قالوا: إنه قادر على أن ينصرهم ويجعل لهم الدولة والظَّفَر، أو أنه غير قادر على ذلك، فهم قادحون في قدرته أو في حكمته وحمده، وذلك من ظن السوء به، ولا ريب أن الربَّ الذي فعل هذا بغيضٌ إلى من ظن به ذلك، غير محمود عندهم، وكان الواجب أن يفعل خلاف ذلك، لكن رَفُوا[10] هذا الظن الفاسد بخرقٍ أعظمَ منه، واستجاروا من الرمضاء بالنار، فقالوا: لم يكن هذا بمشيئة الله، ولا له قدرة على دفعه ونصر أوليائه، فإنه لا يقدر على أفعال عباده، ولا هي داخلة تحت قدرته، فظنوا به ظنَّ إخوانهم المجوس والثنويَّة بربهم.



وكل مُبطِلٍ وكافرٍ ومبتدعٍ مقهور مستذَل، فهو يظن بربه هذا الظن، وأنه أولى بالنصر والظَّفَر والعلوِّ من خصومه، فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق وظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتَّش نفسه، وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها، رأى ذلك فيها كامنًا كُمُون النار في الزِّناد، فاقدح زِنادَ مَن شئتَ، يُنْبِئْكَ شِراره عما في زناده، ولو فتَّشت مَن فتَّشتَه لَرأيت عنده تعتُّبًا على القدر، وملامة له، واقتراحًا عليه، خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌّ ومستكثر، وفتِّش نفسك، هل أنت سالم من ذلك؟

فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة
وإلا فإني لا إخالُك ناجيا

فلْيَعْتَنِ اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، ولْيَتُبْ إلى الله ويستغفره كل وقت مِن ظَنِّه بربِّه ظَنَّ السوء، ولْيَظُنَّ السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر، المركَّبة على الجهل والظلم؛ فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغِنى التام، والحمد التام، والحكمة التامة، المنزَّه عن كل سوء في ذاته وصفاته، وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة، ورحمة وعدل، وأسماؤه كلها حسنى.



فلا تظنَّنَّ بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميلِ
ولا تظنن بنفسك قطُّ خيرًا
وكيف بظالم جانٍ جهولِ
وقُلْ يا نفس مأوى كل سوء
أيُرجى الخير من ميت بخيلِ؟
وظنَّ بنفسك السوأى تجدها
كذاك وخيرها كالمستحيلِ
وما يكُ من تُقًى فيها وخير
فتلك مواهب الرب الجليلِ
وليس بها ولا منها ولكن
من الرحمن فاشكر للدليلِ

[1] يقصد به نفاة الحكمة والتعليل من الجهمية الجبرية، ومن وافقهم من الأشعرية وغيرهم.

[2] التَّهَوُّك: كالتهور أو التحيُّر، وهو الوقوع في الأمر بغير روية، والمتهوِّك: هو الذي يقع في كل أمر.

[3] يقصد به نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم.

[4] يقصد به من منع تسلسل الحوادث في الأزل فأنكر دوام فاعلية الرب سبحانه وتعالى.

[5] يقصد به الفلاسفة كابن سينا وغيره الذين قالوا: إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات.

[6] المقصود به نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة.

[7] المقصود به الجبرية وبعض غلاة الصوفية ممن لم يفرق بين مشيئة الله الكونية وبين محبته ورضاه، فظن أن كل ما شاء الله وقوعه في الكون فقد أحبه ورَضِيَه.

[8] المقصود به الوعيدية من الخوارج وغيرهم.

[9] والمراد بالوصي عليٌّ رضي الله عنه، على زعم الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إليه بالإمامة والخلافة بعده.

[10] رفا الثوب يرفوه رفوًا: أصلح ما به من شقٍّ أو خرق، بضمِّ بعضه إلى بعض.


شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
تحريم الحلف بغير الله أم أمة الله العقيدة الإسلامية
أهمية الاستعانة بالله في حياة المؤمن امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
ملف عن العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع النجمة الذهبية العقيدة الإسلامية
معنى الإيمان بالله ,ما هو تعريف الإيمان بالله ,اشكال الايمان بالله جنا حبيبة ماما العقيدة الإسلامية
حسن الضن بالله mahee المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 05:35 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل