«لم تكن سيدة سهلة إطلاقا. ظاهريا تبدو متحفظة لكنها ذكية ومتعلمة وكانت على قدر كبير من الانضباط والدقة»، كما يكشف مسئول سابق برئاسة الجمهورية.
«سوزى» للمقربين و«الهانم» للآخرين، كانت حريصة على أن تحافظ على هذه الكلفة.
«سوزان سيدة قوية ومبارك موظف فلاح»، هكذا يلخص أحد رجال أمن الرئاسة عمل لسنوات طوال ملاصقا للرئيس السباق، الرجل انتقل، مثل آخرين، إلى مواقع أخرى بعد الثورة. يقول إنها لم تكن مهووسة بفكرة التأمين الأمنى مثل زوجها، «كانت أحيانا تطلب ما نقفلش الطرق وتقول عايزة أشوف الناس». رغم ذلك فإن حياتها لم تكن مع الناس. لم تلحظ هوة الفقر تتسع بين ال
محيطين بها وغالبية المصريين رغم أن دراستها فى الجامعة الأمريكية التى حصلت بها على رسالة الماجستير بعد 20 عاما من زواجها كانت فى علم الاجتماع ودراسة حالة عن «رفع مستوى المدرسة الابتدائية فى بولاق».
ارتبط اسمها بالتعليم وبالقراءة لسنوات طويلة وبالتزامن مع مشروع «القراءة للجميع»، بدأت تمارس بعض النفوذ على عدد من الوزراء الثقافة والإعلام والتعليم وسمح لها منصبها كرئيسة لجمعية الهلال الأحمر المصرية بتوسيع صلاحيتها إلى وزارة الصحة وازداد من خلال جمعية تنمية مصر الجديدة التى أسستها.
فى الحزب الوطنى الحاكم كانت تنشغل فقط بحضور اجتماعات لجان التعليم فى المؤتمر السنوى. يعتقد قيادى سابق بالحزب المحلول أن اهتمامها بملف التعليم كان جديا. «كان لديها حس ثقافى وقناعة بحتمية تطوير التعليم وتساؤلات حول اللامركزية فيه وكانت تنتقد وزراء التعليم أحيانا وكان لها دور فى مشروع الفصل الواحد».
أحد من عملوا معها عن قرب فى مشاريع التنمية يعتقد أنها كانت شديدة الحماس بقضايا الطفل «بذلت مجهودا كبيرا فى قضية الختان ودعمت دور العمل الأهلى فيه وصعدته سياسيا رغم عدم قبوله شعبيا». دفعت إلى الواجهة ببعض الحقوق التشريعية للمرأة مثل الحق فى الخلع ورفع سن حضانة الطفل.
فى المقابل يعتقد آخرون أن السيدة الأولى السابقة لم تكن مؤمنة فعليا بمناصرة المرأة بمعنى دعم الحركات «النسوية» التى تدعو لتمكين وتحرير المرأة، رغم انخراطها فى منظمات عديدة منها منظمة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية، التى أسست «لهوانم» الرؤساء والملوك العرب. كما لم تعبر عن اهتمام واضح بحقوق الانسان.
أحد الأعضاء السابقين بالمجلس القومى لحقوق الإنسان يدلل على تلك النظرة «الشكلية» للدفاع عن حقوق الإنسان. «اتصل مكتبها وأخبرونى أنها ترغب فى محادثتى وكنا خصصنا جلسة استماع دعيت إليها وزارتى الخارجية والداخلية بعد أحداث مصطفى محمود، وتعدى الأمن على اللاجئين السودانيين المعتصمين فى الميدان نهاية عام 2005. «دافعت بشدة عن موقف مصر وقالت إن جهودا بذلت من جانب السلطات المصرية وأن الأمم المتحدة هى من قصرت بشأنهم». ووفقا لرواية الرجل فإن سوزان مبارك «على مدار سنوات المجلس لم تتصل بى سوى هذه المرة الوحيدة فى أمر يتعلق بحقوق الإنسان».
«كانت لديها آراء فى كل شىء»، يقول مسئول الرئاسة. وكانت تعتبر نفسها «رائدة الحركة النسائية» فى مصر، وزاد شغفها بالتكريم الدولى ووصل الحلم إلى جائزة نوبل وتم الترويج لها داخليا. «أيد المجلس القومى للطفولة والأمومة ترشيح السيدة سوزان مبارك قرينة رئيس الجمهورية، لنيل جائزة نوبل للسلام، وذلك لجهودها المخلصة لتحقيق التنمية، وإعلاء حقوق الإنسان ونشر ثقافة السلام»، هذا ما نشرته الأهرام فى صفحتها الأولى قبل سنوات. يعتقد دبلوماسى حالى بوزارة الخارجية أنها كانت السبب وراء عدم تعيين السفراء العازبين فى الدول التى تتردد عليها. «عندما رافقتها فى إحدى زيارتها زوجة الرجل الثانى فى السفارة المصرية لأن السفير غير متزوج، اعتبرت الأمر تقليلا من شأنها».
مع مرور السنوات انشغلت بدوائر صنع القرار وتداخلت أكثر فى كواليسها. ولم تر كيف كان العابرون على الطرق التى تخترقها بموكبها ينظرون إلى مشروع تطمح إليه وتدعمه لوصول نجلها الأصغر إلى كرسى الحكم.
كل من تحدثت إليهم «الشروق» لم ينقلوا نصا صريحا عن السيدة تشير فيه إلى رغبتها فى نقل سلطة زوجها لابنها لكن أحدهم لم يستغرب تلك الرغبة. «جو الحكم أصبح أسريا جدا. كانت عائلة حاكمة ممتدة من الزوج والزوجة إلى الأبناء والوزراء ورجال الأعمال. الموضوع كان بيتى»، يقول أحد أصدقاء جمال مبارك.
تقدم العمر بالأب، وتراجع فى أحيان كثيرة إلى خلفية المشهد معتمدا على نجليه أو زوجة تعاظم نفوذها.
«سيطرتها كانت تمتد عبر الرئيس نفسه فسوزان كانت أكثر وعيا من أن تعرض نفسها للاحتكاك مع الآخرين. لقد تعلمت الدرس من جيهان السادات»، بحسب السفير السابق. هل انصاع مبارك لإرادة قرينته كما قالت النيابة فى مرافعتها قى قضية اتهامه بقتل المتظاهرين؟ هل صحيح أنها كانت المحرك الكبير للفساد وكانت اليد العليا فى النظام؟
رغم شغلها لمساحة واسعة سياسيا وإعلاميا هى ونجلها جمال، يعتقد من عملوا فى
محيط عائلة مبارك على مدار السنوات الماضية ممن تحدثت إليه «الشروق» أن الأمر به الكثير من المبالغة.
«هل كانت تتصل برئيس الوزراء وتعطيه أمرا؟ الإجابة لا. هل كانت تتصل بوزير الداخلية؟ الإجابة أيضا بالنفى»، يؤكد مسئول الرئاسة السابق.
لكن ــ رجل الحراسات ــ يقول إن الأمر كان يمر فى أحيان كثيرة عبر زكريا عزمى رئيس الديوان والأخير كان يخضع لرغبة مبارك الأب أولا. لكن الأكيد أنها فى أى لحظة لم تتصور عرشها مهددا.
فى أحد الأيام الأولى للثورة ــ كما تنقل المجلة الأمريكية ــ تحدثت سوزان مبارك مع صديقتها فرخندة حسن عبر الهاتف. فرخندة هى الأمين العام الحالى للمجلس القومى للمرأة، وأستاذ جيولوجيا فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومواليد عام 1930.
تحكى نيوزويك أن «مبانى القاهرة كانت تحترق، وكانت السيدة الأولى كما تقول فرخندة هادئة جدا جدا. لم تكن تعتقد أن هناك أزمة فى الطريق ولم تكن تعلم مدى عمق المشكلة، وبالتأكيد لم تكن ترى أن بيت مبارك على وشك الانهيار».
«الثورة جاءت لها على غفلة»، يقول السفير المصرى السابق. «إحساسها الدائم كان أنها وزوجها قدما لمصر ما لم يقدمه أحد». بعد الثورة طارت سوزان إلى شرم الشيخ ثم ظهرت للتحقيق معها أمام جهاز «الكسب غير المشروع» إلى أن أمرت سلطات التحقيق بإخلاء سبيلها ضمن «صفقة» تقضى بتنازلها عن نحو 24 مليون جنيه لصالح الدولة.