♦ مقصد وموضوع سورة الكهف: كيف ينجح الإنسان عند الابتلاء بالنعم والعطاءات.
♦ علاقة أول السورة بالقصص الواردة فيها.
♦ عدد القصص الواردة في السورة.
♦ وقفات مع تلك القصص وما فيها من دروس وعبر.
مع سورة الكهف:
وفيها خمس قصص أو إن شئت فقل: خمسة عطاءات:
قصة أصحاب الكهف، وإشارة إلى موقف من مواقف تعامل المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع المستضعفين، وإشارة إلى قصة سيدنا آدم مع إبليس، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين.
وهناك قصة لا تكاد تخلو منها سورة؛ قصة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ أخلاقه، معاملاته مع المسلمين وغير المسلمين، غزواته.
ولهذا بدأت السورة بالثناء على الله، ثم بالثناء على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمقام العبودية، أعلى منزلة يصل إليها الإنسان أن يكون عبدًا لله الواحد الديان، ثم خُتمت السورة ببيان مهمة الرسل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
وفي ثناياها بيانٌ لبعض المواقف النبوية التي تدل على رحمته صلى الله عليه وسلم؛ كقوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، يقول تعالى مسلِّيًا رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين؛ لتركهم الإيمان وبُعدِهم عنه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8]، وقال: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 127]، وقال: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]؛ ﴿ بَاخِعٌ ﴾: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]؛ يعني: القرآن، ﴿ أَسَفًا ﴾: يقول: لا تُهلِك نفسك أسفًا؛ [تفسير الإمام ابن كثير]، وكقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
بداية السورة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
هناك علاقة وثيقة بين القصص الواردة في السورة، وبين تلك البداية التي تُعلي من شأن العبودية لله الواحد الأحد، وتلك العلاقة هي بيان أن الواجب على الإنسان أن يكون عبدًا لله وحده؛ مهما أُعطيَ من زينة الدنيا، ومهما أُوتيَ من فُتُوَّةٍ وشباب، فلا يغتر؛ ولْيَجْعَلْ ذلك عونًا له على طاعة الله تعالى، كما في قصة الفتية أصحاب الكهف.
1- العطاء الأول: الشباب والفتــوة مع الغِـنى، عنــدما يتبصَّر عقـل الفتى وتســمو روحـه، باحــثًا عن الحق، مستمسكًا به، مضحِّيًا في سبيله: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].
الشباب والفتــوة مع الغِنى من العطاءات التي يُمتحن بها الإنسان، فهؤلاء الفتية الذين لم يُفتنوا بزينة الدنيا، ولا بشبابهم وفتوتهم وصحتهم، وقد بيَّن النبي أن الشباب والصحة غُنْمٌ ينبغي للعاقل ألَّا يُضيِّعَهُ، وتأتي قصة أصحاب الكهف لتبين كيف نجح أولئك الفتية في الاختبار، وتعرفوا على العزيز الغفار، رغم خطورة فترة الشباب، وفي هذا جواب على سؤال الشباب الذين يشكون تكالُبَ الفتن عليهم، فالحل هنا: أن تبدأ بالقرب إلى الله خطوة، وسترى كم هو رحيم ودود؛ كما في الحديث القدسي الجليل: ((من تقرَّب مني شبرًا تقربتُ منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشى أتيتُهُ هرولة))؛ [رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 13، 14].
﴿ آمَنُوا ﴾ بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدًى؛ أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]؛ [تفسير الشيخ السعدي رحمه الله].
كيف يقضي شبابنا أوقاتهم؟ وما تطلعاتهم وآمالهم؟
وقد بيَّن النبي أن فترة الشباب مَغنمٌ لا يصح لعاقل تضييعه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغِناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك))؛ [رواه الحاكم وصححه].
ولــم يُفتن هــؤلاء الفتية بكونهم أبناءَ ملوكٍ أكابرَ، يعيشون في رَغَدٍ من العيش، كل هــذا لم يمنعهم من البحث عن الحق، واتباعه، والتضحية في سبيله؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم: "كانوا في زمن ملك يُقال له: دقيانوس، وكانوا من أبناء الأكابر، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم، فرَأَوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له".
ومثل أصحاب الكهف في البحث عن الحق واتباعه والثبات عليه امـــرأةُ فرعــون: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
وسُنَّةُ الله فيمن آثــر الحق على كل شيء أن ينصرَهُ الله تعالى، وأن يُسخِّر له جميع الكائنات: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ [الكهف: 17 - 19].
2- العطــاء الثــاني: الجــاه والشـــرف، هــل سيكون سبيلًا للكِـــبر، واحتقـــار أهل الحـــق؟ للأسف انصرف كثير من قريش عن الحق في بداية الدعوة، فأرادوا من النبي أن يطـــرد الفقـــراء؛ حتى يتبعـــه الأشــراف والســادة؛ فنزل قـــول الله: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، وهذه الآيـــة أصل عظيم في إجــلال أهل الطاعة ومحبتهم ورعايتهم؛ فعن سعد بن أبي وقاص، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نَفَرٍ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرُد هؤلاء؛ لا يجترئون علينا! قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هُذيل، وبلالٌ، ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52]))؛ [الحديث أخرجه مسلم].
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ قال ابن عباس: "ولا تجاوزهم إلى غيرهم: يعني: تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة".
ورُوي عن الحسن: "﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾؛ أي: لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبًا لزينتها"؛ حكاه اليزيدي، وقيل: "لا تحتقرهم عيناك، كما يُقال: فلان تنبو عنه العين؛ أي: مستحقرًا".
﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك.
"ولم يُرِدِ النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، ولكن الله نهاه عن أن يفعله، وليس هذا بأكثر من قوله: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر: 65]، وإن كان الله أعاذه من الشرك"؛ [تفسير القرطبي رحمه الله].
3- العطـــاء الثالث: المــال، هل يمكــن أن يغــترَّ الإنسان بالـمال، ويكــفر بالكـــبير المتعال؟
الهدف والمقصد من قصص سورة الكهف: أنه مهما أُوتيَ الإنسان من الحرث والمال، فليكن عبدًا لله العزيز الغفار؛ حتى لا يستعبده الدرهم والدينار؛ كما هو حال صاحب الجنتين: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].
وهذا مفتون آخـــرُ مغرورٌ بعطاء الدنيا، غير شاكر لله؛ حيث ظن أنه يملك استدامة تلك النعمة، واستمرار ذلك العطاء، ونسيَ أنه مُمتحَن بالعطاء؛ فلمَّا سلبه الله النعمة، أدرك ضــلاله، وتذكر المنعم ونــدم، ولكن متى؟ بعد فوات الأوان: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ﴾ [الكهف: 42، 43].
فالعاقل لا يغتر بهذه الدنيا؛ لأنه يعــرف حقيقتها: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45].
ولا يستعبده الدرهم والدينار كما فعل صاحب الجنتين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعِسَ عبدالدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِيَ رضيَ، وإن لم يُعطَ لم يرضَ))؛ [رواه البخاري].
تسخير الكائنات لمن شكر رب الأرض والسماوات:
ولئن كان صاحب الجنتين، رَسَبَ في الامتحان بالعطاء، فإن هناك مَن نجح في امتحان العطاء، فلم يبخل، ولم يجحد نِعَمَ الله، واستحق المزيد بشكره لله؛ حتى سخَّر الله له السحاب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بفَلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: اسقِ حديقةَ فلان، فتنحَّى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرَّة، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبَّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يُحوِّل الماء بمِسحاتِهِ، فقال له: يا عبدالله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبدالله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسقِ حديقة فلان - لاسمك - فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثُلُثِهِ، وآكل أنا وعيالي ثُلُثًا، وأردُّ فيها ثلثه))؛ [رواه مسلم].
4- العطـــاء الــرابـع: العلم؛ فبالعلم يسعد الإنسان، وربما يشقى به، فمهما أُوتي من علم، فلا يستكبر على غيره، وليكن حريصًا على بذل العلم ونفع الخلق، مع نسبة هذا كله الله؛ كما فعل العبد الصالح الخضرُ في قصته مع سيدنا موسى عليه السلام؛ يقول ابن القـــيم: "من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زِيد في علمه، زِيد في تواضعه ورحمته، ومن علامات الشقاوة أنه كلما زِيد في علمه، زِيد في كِبره وتِيهِهِ.
من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زِيدَ في علمه، زِيد في تواضعه ورحمته، وكلما زِيدَ في خوفه وحذره، وكلما زيد في عمره، نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله، زِيد في سخائه وَبَذْلِهِ، وكلما زيد في قدره وجاهِهِ، زِيد في قربه من النَّاس وقضاء حوائجهم، والتواضع لهم.
ومن علامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه، زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله، زِيد في فخره واحتقاره للنَّاس، وحسن ظنه بنفسِهِ، وكلما زيد في عمره، زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله، زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في كبره وتيهه، وهذه الأمور ابتلاء من الله، وامتحان يبتلي بها عباده، فيسعد بها أقوام، ويشفى بها أقوام وكذلك"؛ ا.هـ؛ [كتاب الفوائد].
وتــأمل كيف تواضع سيدنا موسى عليه السلام وهو يطلب العلم، ثــم كيف ازداد الخضر بالعلم تــواضعًا لله: ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]، فالعلم المقترن بالإيمان والرحمة هو الذي ينفع صاحبه، كما قال تعالى واصفًا عبده الصالح الخضر: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65].
أما العلم بدون الإيمان والرحمة، فهو وبالٌ على صاحبه ودمار للمجتمع، واسألوا من اخترع قنبلة هيروشيما: كم قتلت؟ وكم أصابت من البشر؟ وما زال من أُصيب بها من اليابانيين يعانون من أمراض، وانظروا كم يعاني العالم اليوم بسبب التقدم العلمي المجرد عن الأخلاق والإيمان والرحمة!
والعلم بدون تزكية للنفس مَهلَكَةٌ لصاحبه؛ كما في قصة بلعام بن باعوراء: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الأعراف: 175].
"فذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة، واختُلف في تعيين الذي أوتي الآيات؛ فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش، وهو المعني بقوله: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾، ولم يقل: آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابًا في أن (ليس للعالم صانع)، قال مالك بن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقْطَعَهُ، فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات"؛ [تفسير الإمام القرطبي].
من العطاءات التي يُمتحن بها الإنسان عطاء العبادة، وفي السورة مثالٌ آخر لمن اغترَّ بهذا العطاء، العابد بدون تزكية للنفس، إبليس كان عابدًا كما ذكر سيدنا ابن عباس، فلما أمره الله، ظهر ما كان يُخفي في قلبه من استكبارٍ وحسدٍ؛ فاتَّهم الذات الإلهية بالحَيْفِ عياذًا بالله؛ فردَّ الأمر على العلي القدير، زاعمًا أنه خير من آدم، وما منعه إلا الحسد والكبر والفسوق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].
5- العطـــاء الخــامس: المــلك والتــمكين في الأرض:
من مقاصد سورة الكهف، أنه مهما أُوتيَ الإنسان من ملك، فلا يطغى ولا يظلم، إن الملك كــثيرًا مــا يُطغي الإنســـان، وقـــد يزداد الإنسان بــه قــربًا من اللـــــــــه، وخـــدمة للــضعفاء ونشـــرًا للعـــدل؛ كما فعـــل ذو القرنين: ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95].
وانظروا كيف وضع الملك العادل ذو القرنين منهج الحكم العادل الرشيد: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88].
ومهما يكن عـــطاء الدنـــيا، فهـــو لا يســــاوي شيئًا، مقـــارنة بعطـــاء الآخـــــــرة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].
ومهما أُوتيَ من جاهٍ ونسبٍ، فلا يسخر من الفقراء والضعفاء، كما فعل عيينة بن حصن الفزاري؛ حيث ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُسلِمَ، وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان، وعليه شَمْلَةُ قد عرِق فيها، وبيده خُوصَةٌ يشُقُّها، ثم ينسِجها، فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أَمَا يؤذيك ريحُ هؤلاء، ونحن سادات مضرَ وأشرافها، فإن أسلمنا، أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحِّهم عنك حتى نتْبَعَك، أوِ اجعل لنا مجلسًا ولهم مجلسًا؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾ [الكهف: 28]))؛ [تفسير الإمام ابن كثير].
أيها المؤمنون، الجميع يعلم أن المنع والمصائب بلاءٌ يحتاج إلى صبر، بيدَ أن القليل من يعلم أن العطاءات والنِّعَمِ ابتلاءاتٌ تحتاج إلى شكر؛ قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وأدرك إبليس هذا: ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، وقد جاء في سورة الكهف أصول نعم الدنيا: الفتوة والشباب، المال والحرث، العلم والفهم، العبادة والنسك، الملك والسلطان، أضف إليها الجاه والنسب"، وكل هذه العطاءات امتحان واختبار، فكيف ينجح الإنسان في اختبار الابتلاء بالعطاء، ومن خلال سورة الكهف والقصص الوارد فيها نتعلم الآتي:
1- التعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، هذا باب لكل خير، مع التدبر لكتابه، فلينظر العاقل إلى قدرة الله من خلال قصة أصحاب الكهف؛ ليُعلم أنه سبحانه يُحيي الموتى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 25، 26]؛ قال قتادة: "لا أحد أبصرُ من الله ولا أسمع"؛ [تفسير الإمام القرطبي].
فمن أراد حُجَّةً، فالقرآن يكفيه؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].
ومن أراد مؤنسًا، فالله يكفيه، ومن أعرض عن ذكر الله، فلا يلومَنَّ إلا نفسه، فلا قِبَلَ لأحدٍ بحرب الله؛ قال تعالى فيمن جحد نعم الله: ﴿ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 58، 59]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].
2- معرفة حقيقة الدنيا، وأنها إلى زوال؛ فهي ممرٌّ، وليست دار مستقر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ [الكهف: 7، 8]؛ يخبر تعالى: أنه جعل جميع ما على وجه الأرض؛ من مآكلَ لذيذةٍ، ومشاربَ، ومساكنَ طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظرَ بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها - الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارًا؛ ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]؛ أي: أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات فانية مُضمحلة، وزائلة منقضية؛ [تفسير الشيخ السعدي رحمه الله]، فالعاقل يوازن بين متطلبات الدنيا والدين؛ قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].
3- معرفة حقيقة الآخرة، وأنها دار القرار، فهنا تــأتي الآيات لتبين أن عطاء الدنيا لا شيءَ مقارنة بعطاءات الآخـــــــــــرة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30، 31].
4- الخسران الحقيقي هو خسران رضوان الله والجنة في الآخرة، فالخاسر من كفر، فاستحق النار: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، وانظر لهذا المشهد من أهوال يوم القيامة، واعمل لهذا اليوم ألف حساب: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47 - 49]، هل ينفعك في هذا اليوم أحد، هل يشفع لك من أشركتهم مع الله: ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ [الكهف: 52، 53]، ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 - 106].
فكل نعيم في الدنيا دون الجنة فهو عذاب، وكل عذاب دون الجنة فهو نعيم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
شبكة الالوكة