أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي فقه مواجهة الابتلاء

الحمد لله الذي جَعَلَ بعد الضيق مخرجًا، وبعد الشدة فَرَجًا، والحمد الذي جَعَلَ الابتلاء رفعةً لعباده المؤمنين وعَلاء، والصلاة والسلام على خير من ابتُلِيَ من الورى محمد بن عبدالله وعلى صحبه الميامين؛ أما بعد:

فالابتلاء من سُنَنِ الله الإلهية على جميع الخَلْقِ برِّهم وفاجرهم؛ لحكمةٍ ربانية قصُر عنها الإدراك، وله ارتباطٌ بالأعمال القلبية؛ كالصبر واليقين، والثبات والتفاؤل، والابتلاء يكون في الخير والشر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35]، فكما أن الله عز وجل يبلوه بالخير؛ ليمتحن شكره، فهو يبلوه بالشر؛ ليمتحن صبره.

وإن المتأمِّل لحال العبدِ المؤمن يعرِف أنه لا يخشى من وقوع الابتلاء، وإن كان لا يتمنى إلا وقوع الخير والاستكثار منه، ويحلُم بالحياة الآمنة المطمئنة المستقرة، ويخشى من تشتُّت الأحوال وتبدُّلها؛ لأن لديه اليقينَ التامَّ أنَّ وقوع الابتلاء أمرٌ لا بدَّ منه ولا محالة عنه، بل هو من سنن الله في أنبيائه ومن بعدهم؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

ومن أسباب وقوعه رفعةُ الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتارة يُصاب به بسبب الذنوب والمعاصي، فتكون العقوبة مُعجَّلة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

ومن فضل البلاء أن يَلْقَى المبتلى الله عز وجل وما عليه خطيئة، فهذه الفضيلة وإن كان وقعها على النفس شديدًا أليمًا، هي أمنية الصالحين الصابرين؛ ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نَفْسِهِ وولده وماله، حتى يَلْقَى الله تعالى وما عليه خطيئة)).

والابتلاء ليس محصورًا على نوع معين من أنواعه، بل هو متفاوت ما بين شديد وأشدَّ، فقد يكون منه خسارة الدين والعافية، والعِرْضِ والشرف، وهذا من أشد أنواعه وأقواها، ومنه الفقد، والفقدُ ليس لغائب عن الحياة بأكملها فحسب، بل منه فَقْدُ الحاضر في القلب الغائب عن العين الذي قد نأت به الديار، وبعدت به الظروف.

ومن تلكم الابتلاءات المؤثرة التي يحتاج تخطِّيها وتجاوزها إلى زمنٍ الصدماتُ النفسية المتتالية، التي قد تأتي مصيبة، ثم ما إن يخفَّ وقعُها، إلا وتبِعتها مصيبة أخرى أشدُّ منها، وهنا تضعُف النفس، ويقل صبرها، وتتساءل عن سبب وقوع تلك المصيبة، وسبب الاختيار من بين ألوف مؤلَّفة؛ لتعلم يا صاحب الابتلاء أن تتابُعَ الهموم والغموم عليك لحِكَمٍ منها: استشعار النعمة، وشكر الله على المنَّة، ولتعلم أن البلاء الأول كان أخف وطئًا على النفس، مع أنه لم يتيقن عندك خفة الحمل إلا بعد البلاء الثاني؛ والله يقول: ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 153].

فالنفس المؤمنة الراضية تتيقن أن تتابُعَ المصائب عليها من الخير الذي ساقه الله لها من غير حَولٍ منها ولا قوة؛ فلْتُحْسِنِ الظن وتستبشر بما عند الله؛ وهو القائل جل في علاه: ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113].

ثم إن البلاء الذي يصيب العبدَ المؤمنَ ليس إلا كرحلة السفر التي يسير فيها المسافر في هذه الحياة قصرًا وطولًا، حسب الحاجة إليها، وانتهاء المدة منها، فقصر البلاء وطوله الذي يصيب العبد المؤمن كذلك حسب قوة الإيمان، وصدق اليقين، والصلابة النفسية التي يتحلى بها، وهنا تكمن قوة المواجهة، والقدرة على التعايش مع المرحلة، لحين ترقُّب صُبْحِ الفَرَجِ، وومِيضِ الأمل.

وتتحقق الصلابة في نفس العبد المبتلَى إذا علِم يقينًا أن من قلَّ صبره، نقص أجره، فالله يبتلي العبد؛ لينال ثواب الصبر، وما فات من ثواب الله بالجزَع أعظم من المصيبة.

لكن إذا وقع الألم، فكيف يمكن للعبد المؤمن التقيِّ النقيِّ مواجهتُه؟ وما فقهُ المواجهة؟ هل يستسلم له، ثم يُصاب بالهشاشة النفسية، ويحلق بعيدًا عن عالم العطاء الذي كان يعيش فيه مسرورًا مبتهجًا، أم يعيش مكتَّف الأيادي، أسيرًا للهموم والغموم، شبيهًا بحال الأسير، متحسرًا متألمًا، بعد أن عُرِف عنه إطلاق الجناحين في زمن فائت متأملًا مؤملًا، ومعللًا سببَ الأَسْرِ والكآبة والحزن بالعجز عن المواجهة والمقاومة؟ هنا دعني أضع سؤالًا: أين قوة اليقين وحسن التوكل على الله عز وجل؟

ومَن منَّا لا يريد أن يحوِّل المعاناة إلى قوة إيجابية في التغيير للأفضل؛ لأن الله قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]؟

ومَن منا لا يريد أن يكون صاحبَ شخصية قوية؛ كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح: ((المؤمن القويُّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير))؟

قد تتساءل - أيها القارئ الكريم - بعد هذه المقدمة اليسيرة: لِمَ هذه المقالة؟ وما الغرض منها؟

هي لك يا صاحب الابتلاء؛ لأني أعلم يقينًا أن مرحلة التجاوز التي تأتي بعد البلاء صعبة عسيرة، لا تُطاق، وليس لكل أحد أن يخرج منها أفضل مما كان، إلا بعد مجاهدة طويلة، طالبًا الصبرَ، منتظرًا الجبرَ بين الألم والأنين.

أيها المبتلى، لا أريد منك أن تعيش في عالم الأحياء شبيهًا بحياة الأموات، جسدًا دون روح، ولا حس ولا أثر فيمن له فضل عليك ومِنَّة، ومن احتواك وآواك، لكن محور الحديث: من تكون أنت بعد الابتلاء؟

هل رضيتَ بما كتبه الله لك؟
هل تجددت روح الإيمان لديك؟
هل دعوت دعاء المضطر؟
هل تعلق قلبك بالله؟




وهل قوِيَ قلبك لمواجهة أحداث أخرى؟ لأن "الضربة التي لا تقتلك تقويك".

هل هذه الانكسارات التي تعرضت لها، وأصابَتْكَ بالهشاشة والخذلان والخيبة وغيرها، كسرت حياتك بكاملها؟!

وهل هذه الابتلاءات التي ضاقت بسببها عليك الأرض رغم سعتها، وضاقت نفسك فكأنما من شدة الألم، وضيق النفس، وثقِل الوطأة، تتنفس من ثقب إبرة، أم أن هذه المرحلة السالفة قد واجهتها مواجهة العبد الصابر القويِّ، المحسنِ الظنَّ بالله، والمستسلم والمنقاد له، والواثق بوعده، وأنه لا أصدق منه، ثم قررت بعدها مَن تكون أنت بعد الابتلاء؟

إن كنت هذا، وأظنك كذلك، فقد شُفيت جراحك، واختفى أثرها، ووصلت إلى شاطئ أمان الرضا، وخرجت من رحلة الكرب، ووطأة الألم، وثقل الوجع، راضيًا مطمئنًّا، ناشدًا للحقِّ، ومتطلعًا لِما عند الله من خير عظيم في الدنيا والآخرة، وساعيًا إلى التمكين الذي وعد الله به أولياءه؛ قال ابن القيم: "سأل رجلٌ الشافعيَّ فقال: يا أبا عبدالله، أيما أفضل للرجل أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكَّن حتى يُبتلى؛ فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم، وموسى وعيسى، ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلُصَ من الألم ألبتةَ".

وفي ختام هذه المقالة، انفُضْ غُبار العجز والكسل، وتعوَّذ منهما كما تعوَّذ منهما المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوة الهمة، وإرادة العزيمة، وانشراح الصدر، وانبساط النفس بما أنعم الله عليك من نِعَمٍ قد خفِيَت مع البلاء، وتظن أنك الوحيد في هذه الحياة الذي قد ابتُلِيَ، وزلزل زلزالًا شديدًا، واشغل الفكر بالعمل؛ لئلا يغزوك الهمُّ والغمُّ من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ، أعاذك الله وحرسك.

ولا تُؤْثِرَنَّ إظهار الهلع، وإبداء الجَزَع على وقار الصبر وفائدته، وجمال الاحتساب ومثوبته، وتجلَّل لِباسَ التجلُّد، وقوِّ على الاحتساب عزمَك، واصبر لحكم ربك.

ولا تظنَّ أيضًا أن مَن حولك أقوياء اتصفوا بالصرامة والجمود، وقسوة القلب، ولا تظن أنهم قد تصدَّوا لصدماتهم بكل ما أُوتوا من قوة، وخرجوا من تلك الرحلة فرحين منتصرين من الهزيمة بنجاح وكفاح، ليس الأمر كما ظننت، بل إن الابتلاء صقل شخصياتهم، واكتسبوا معه مهارة وخبرة في التعامل مع حوادث الزمان، وأيقظتهم صفعة الألم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا، يُصِبْ منه))، واجتهدوا في التجلُّد، وتحلَّوا بالصبر، ونشدوا الأمل؛ لتقوية من حولهم على ضعفهم وقلة حيلتهم؛ ليكونوا أحسن مما كانوا، ويمشوا في مناكب الأرض، ويسعوا في طلب الرزق بصدر منشرح، وضمير مرتاح.

وخلاصة القول:
هوِّن عليك فكل الأمر ينقطع فقه مواجهة الابتلاء
وخلِّ عنك ضباب الهم يندفعُ فقه مواجهة الابتلاء

فكل همٍّ له من بعده فَرَجٌ فقه مواجهة الابتلاء
وكل كرب إذا ضاق يتسعُ فقه مواجهة الابتلاء

إن البلاء وإن طال الزمان به فقه مواجهة الابتلاء
الموت يقطعه أو سوف ينقطعُ فقه مواجهة الابتلاء



فن التعامل مع الابتلاء








فاتقوا الله حق تقاته واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، أيها الأفاضل لم يجعل الله تعالى مقرًّا دائمًا لعباده، ولا دار نعيمٍ لأوليائه، ولكنه أرادها بحكمته دار ابتلاءٍ واختبار يمحص فيها عباده بالبلاء، ويختبرهم بالمحن والرزايا: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].

الابتلاء يكون على قدر العطاء، فعن سَعَدِ بنِ أَبي وَقَّاص رضي الله عنه قال: قُلْتُ يا رسول الله أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال الأنبِياءُ ثمَّ الأمْثَلُ فَالأمثلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دَينهِ: فَإنْ كَانَ دِينُهُ صَلبًا أَشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وإِنْ كَانَ في دِينهِ رِقَّةٌ ابتُلي على حَسَبِ دِينهِ، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَه يمشِي على الأرضِ ما عليهِ خَطيئةٌ؛ رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

أخي المسلم، كيف نواجه الابتلاء؟
إن حسن الظن بالله والصبر من أقوى الأسلحة عند المسلم؛ ليخرج من أي ابتلاء، فالإنسان يمر بأوقاتٍ يشعر فيها بالضيق والحزن والتعب النفسي، وقد يتطور الأمر إلى أن يصاب بالقلق، وهذا يعتمد على قوة صلته بالله عز وجل، فإن كانت قوية ستخرجه من أي حالة نفسية أو قلق يمر به، وإن كانت صلته بالله أقل ستكون هناك مشاكل متتالية وأوضاع نفسية قد تطول؛ لأن الشيطان يبدأ بالوسوسة في عقله بأن الله لم يفرج همه، ومن هنا يبدأ سوء الظن بالله يتسلل إلى قلب الإنسان والعياذ بالله.

وأيضًا قد تكون صلة العبد بالله قوية، ويصاب بالحزن والتعب النفسي بسبب سوء إدارته للبلاء، من حيث التعامل معه، فهو يعيش البلاء ولا يتعايش معه، وبينهما فرق كبير، وباختصار الذي يعيش البلاء هو الذي يستسلم له، أما التعايش مع البلاء، فهو قبوله والتكيف معه ومعالجته، من حسن الظن بالله أن ينظر الإنسان للابتلاء الذي وقع بأنه خير؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5]، وقد بيَّن القرآن أن الصبر على المصائب والابتلاءات له ثوابٌ عظيمٌ عند الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

لزوم الاستغفار والصلاة على النبي صل الله عليه وسلم:
إن كثرة الاستغفار سببٌ لدفع البلاء والنقم عن العباد والبلاد، ودفع المحن والفتن؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، وسببٌ في تفريج الهموم والضيق ففي سُنَنِ أبي داودَ وابنِ ماجَه، ومُسْنَدِ الإمامِ أحمد عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، ومِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا"، كما إن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الأعمال التي تجلب الخير وتدفع البلاء، وفي الحديث عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قالَ: قُلْتُ:
يا رسُولَ اللهِ، إنِّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليكَ فَكَمْ أَجعَلُ لَكَ مِن صَلاتي؟ فقالَ: ما شِئتَ، قالَ: قُلت: الربعَ، قالَ: ما شِئتَ، فإن زِدْتَ فَهُو خَيرٌ لكَ، قالَ: قُلتُ: النصفَ، قالَ: ما شئتَ فإنْ زِدْتَ فهو خيرٌ لكَ، قال: قلتُ: فالثُّلُثَيْنِ، قالَ: ما شئتَ فإنْ زِدتَ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ:
أجْعلُ لكَ صَلاتي كلَّهَا، قالَ: إذًا يُكْفَى هَمُّكَ، ويُغْفَرُ ذنبُكَ؛ أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن.

قول: لا حول ولا قوة إلا بالله:
لا حول ولا قوة إلا بالله مأوى المهمومين ومتنفس المكروبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله آهات المضطرين، ومستعان العاجزين، فلا تحول من الذل إلى العز، ولا من المعصية إلى الطاعة، ولا تحول من المرض إلى الشفاء، ومن الفقر إلى الغنى، ولا تحول من الفشل إلى النجاح، ومن الهزيمة إلى النصر إلا بالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فيها التبرؤ من كل حول وقوة من قوى البشر، فالإنسان لا يستقل بحولٍ ولا قوة، فلا يتحول من حالٍ إلى حال، ولا يقوى على حالٍ ومآل إلا بالله الكبير القوي المتعال، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: "لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهَ، تَحْمِلُ الأثْقَالَ وتُكابِدُ الأهْوَالَ، ويَنَالُ رفِيعُ الأحْوَالِ.

فإذا ضاقت بك الطرق واشتد المأزق، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا تراكمت عليك الديون، وكَثُرَ المطالبون، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا عظُمَ الخطبُ واشتَد المأزق، فقل:
لاحول ولا قوة إلا بالله، إذا هممتَ بالطاعة وفعل العبادة، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلا حول ولا قوة إلا بالله دليل الإخلاص والخلاص، وقطع العلائق عن الخلائق وجميعَ الأشخاص.

الصدقة:
وهي من أهم ما يرفع البلاء عن المسلم، فقال ابن القيم: إن الصدقة ترفع البلاء حتى عن الكافر والفاجر، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يتصدقن، وقرن ذلك بأن النساء من أكثر أهل النار، فكانت الصدقة سببًا لدفع بلاءٍ عظيم جدًّا وهو عذاب الآخرة، كما أن الصدقة سبب سرور المتصدق ونضرة وجهه يوم القيامة، أنها تطفئ غضب الرحمن وتدفع ميتة السوء وتُظلُ صاحبها يوم القيامة وتفكه من النار.

تقوى الله تعالى فهو عبادة مأمور بها؛ حيث جعلها الله تعالى سببًا للفرج بعد الشدة، وكشفًا للكرب بعد الضيق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

الدعاء:
لا يخفى على أحد أن الدعاء هو لب العبادة، أو كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " الدُّعَاءَ هُو العِبادة"؛ رواه البخاري، كما أن الدعاء سبب في استجلاب معية الله للعبد، كما جاء في الحديث القدسي: " أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبدِي بي، وأنا معهُ إذا دَعَاني"؛ متفق عليه.

فَبِقدرِ عِظَم البلاء يعظمُ معهُ فضلُ الدعاء، فيصيرُ الإنسان أحوجَ ما يكون إلى طرق باب السماء بالدعاء عند الشدائد والمحن، فإذا انقطعتِ الحيلُ والأسباب وصُدت السبلَ والأبواب، فلا يبقى إلا باب العزيز الجبار والتضرعُ إلى الله المغيث مسبب الأسباب دافع الأخطار، ودافع الضرر والمصائب، كاشف الأسرار والعجائب، فَصِدقُ اللجوء إلى الله تعالى وحسن الظن به، مع الأخذ بالأسباب المطلوبة، حتمًا سيُهدأُ كل تَوجع ويُسكن كل تَفجع، أما الفزع والجزع فلا ينشران مطويًا ولا يردان مقضيًّا، والدعاء كما جاء عن ابن القيم الجوزية رحمة الله عليه من أَنْفَعِ الأدويةِ، فهُوَ عَدو البَلاءِ يُدَافِعُهُ وَيُعَالِجُهُ، ويَمْنَعُ نُزُولَهُ ويَرْفَعُهُ أو يُخَفِّفُهُ، وخير الدعاء ما كان خالصًا خفيًّا من خضوع وخشوع؛ قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]، والإكثار من أدعية تفريج الكرب وزوال الهم، وهي كثيرة ومنها دعوة نبي الله يونس في بطن الحوت (لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين)، وكذلك الدعاء الوارد في الحديث الصحيح: (الله ربي لا أشركُ بهِ شيْئًا)، ومما لا شك فيه أن الصلاة بخشوع والذكر، وأفضله قراءة القرآن الكريم، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والإكثار من قول الحمد لله، والتوكل على الله، والتوبة خاصة من ذنوب الخلوات، وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلِف لي خيرًا منها، أمورٌ تُريحُ القلب وتبعث الراحة والطمأنينة للإنسان المسلم، وهذا بفضل الله وتوفيقه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأفاضل، كذلك هناك علاج سلوكي يساعد على تخفيف الحزن والألم، ويمنح الراحة للنفس ومن هذه السلوكيات:
ممارسة الرياضة:
تعد الأنشطة الرياضية من أهم الطرق للمحافظة على الصحة الجسدية والنفسية، فهي تُسهم في تحسين المزاج؛ لأنها تعمل على تحفيز المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ التي تجعلك تشعرُ بالسعادة والاسترخاء، وكذلك تعزز الثقة بالنفس، وترفع من تقديرك لذاتك، وقدرتك على تحمُّل الضغط الزائد، وكذلك تعمَل على تحسين نوعية وجودة النوم، كما أنها تقلِّل من مستوى هرمونات التوتر في الجسم، ويكفي من الرياضة المشي السريع مع أخذ النفس العميق، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لأصحابه: (اسْتَعينوا بالنَّسَلان)، وهو ما يسمى بالهرولة.

وبإمكانك أن تجعل من رياضتك عبادة بالنية للحصول على العقل السليم والجسم السليم لعبادة الله تعالى عز وجل بشكلٍ أفضل وأتم، كما يمكنك أثناء المشي ذكر الله عز وجل والتفكر والتأمل في مخلوقاته تعالى.

العمل التطوعي:
يُعد عمل الخير من الأمور المبنية على الفطرة التي تنشأ مع الإنسان، وقد لاقت الأعمال الخيرية في الوقت الراهن اهتمامًا كثيرًا ضمن مؤسسات تختص بتلك الأعمال تحت مسمى العمل التطوعي، فالإنسان يسعى إلى تحقيق الاستقرار النفسي ويبحث عن السعادة، ومن أهم الأمور التي تبعث عن السعادة وتحقق الإيجابية العمل الخيري التطوعي؛ إذ يؤدي إلى إشباع الحاجات النفسية المتوازنة منها الدينية والاجتماعية، وكذلك إشباع الحاجة إلى الإنجاز والنجاح، وشعور الإنسان بأنه شخص نافع.

وكذلك إشباع الحاجة إلى الحب والانتماء والقبول بين الآخرين.

وما يهمنا أكثر أن العمل التطوعي يجعل الإنسان داخليًّا مطمئنَّ النفس نتيجة مساعدته للآخرين، سواء بالكلمة الطيبة أو بالفعل؛ كتفريج كربة وعلى قُدرَتهِ إدخال ورسم البسمة على وجه الآخرين، مِن مبدأ: أسعدُ الناس مَن أسعد الناس، وأن أحبَّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُم للناسِ، وأحب الأعمال إلى اللهِ سرُورٌ تُدْخِلُهُ على مسلمٍ؛ كما ورد في حديث عبدالله بن عمر صحيح الجامع.

ومن ضمن السلوكيات في علاج الحزن والألم الذي يصيب المؤمن: البكاء، والابتسامة، والتواصل مع الآخرين، وتلبية دعواتهم، والنوم الشرعي الصحي، وأمور أخرى يصعب حصرها في خطبة الجمعة، ورسالتي لك أيها المهموم أن تترك القلق؛ لأن القلق لن يتركك، واجعل اختيارك قويًّا لترك القلق، وإن لم تستطع، فبادر لطلب المساعدة الشرعية أو الاستشارة النفسية، ولا تجعل نفسك أثيرًا لأحزان الماضي والخوف من المستقبل، احذف كلمة ( لو ) من الحياة، لو أني فعلت كذا لكان كذا؛ لأن ( لو ) أكبر سبب للقلق، وهي تفتح عمل الشيطان، وقل: قدر الله وما شاء فعل، واستمتع بالحياة وبالمقومات المتوفرة لديك، فالسعادة قرار وليس قضاء، ولا تقلق؛ لأن الأمر ليس لك، واعرف ربك معرفة تجعلك خاضعًا منيبًا منكسرًا له، وأن الأمر كله لله.

أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، وتمسكوا بكتاب ربكم، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال جل من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].





شبكة الالوكة










أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
خمس حقائق من فقه الابتلاء امانى يسرى العقيدة الإسلامية
عيد الأم ما بين فقه الدين وفقه الواقع أم أمة الله المنتدي الاسلامي العام
الابتلاء.. أسباب متنوعة وحِكَم متعددة أم أمة الله العقيدة الإسلامية
خمس حقائق من فقه الابتلاء امانى يسرى القرآن الكريم
من فقه البر وغارت الحوراء فتاوي وفقه المرأة المسلمة


الساعة الآن 02:37 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل