أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي حكم من أنكر السنة النبوية

حكم من أنكر السنة النبوية


الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله؛ أما بعد:

فقد اتفق المسلمون على أن السنة النبوية مصدر من مصادر التشريع في الإسلام، ولا يرفض هذا وينكره إلا كلُّ جاهل معاند لنصوص الكتاب والسنة؛ فهذه نصوص الكتاب والسنة صريحة الدلالة، قطعية الثبوت في الدلالة على حُجِّيَّة السنة النبوية، وأن الله تعالى قطع بها العذر، وأقام بها الحُجَّة على الناس، شأنها في ذلك شأن القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].



ونفى الله تعالى وَصْفَ الإيمان عمَّن أبى السُّنَّة والعمل بها؛ قال عز وجل: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وبيَّن سبحانه أن الصَّدَّ عن السنة من أخص أوصاف المنافقين؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 61].



وجَعَلَ الله تعالى الوعيدَ لكل من حادَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، أو حارب سُنَّته بعد وفاته؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].



وأمَرَ الله تعالى باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والتأسي به، وذلك دليلٌ دامغ لحُجِّيَّة السُّنَّة؛ فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]، وغير ذلك من الآيات.



ومن الحديث ما رواه الشيخان، البخاري ومسلم رحمه الله عليهما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)).



وأخرج أبو داود والترمذي، عن العرباض بن سارية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كلَّ محدَثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة)).



وأخرج مسلم عن جابر بن عبدالله قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنه منذِرُ جيشٍ، ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدْي هَدْيُ محمدٍ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)).



وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّ أُمَّتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))، والحديث يوضِّح معنى جاءت به آيات القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]، وقوله: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].



وفي صحيح مسلم من حديث جابر، أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله، وأنتم تُسأَلون عني، فما أنتم قائلون؟)).



وأخرج الحاكم والدارقطني، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2937)، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني قد خلَّفتُ فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما أبدًا ما أخذتم بهما، وعمِلتم بهما: كتاب الله، وسنتي، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض)).



وفي الصحيح عن عبدالله بن أبي أوفى أنه قيل له: ((هل أوصى رسول الله؟ قال: لا، قيل: فكيف كتب على الناس الوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله))؛ [رواه مسلم (1634)].



وكتاب الله فيه وجوب العمل بالسُّنَّة، وفيه الوعيد لمن خالف هَدْيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا يحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكذيب بحديثه وسُنَّتِهِ، لخطورة هذا الاتجاه على المسلمين؛ فقد أخرج الإمام أحمد (17174)، والترمذي (4604)، واللفظ للترمذي عن المقدام بن معديكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألَا إني أُوتيتُ الكتاب، ومثله معه، ألَا يُوشِكُ رجلٌ شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألَا لا يحل لكم لَحْمُ الحِمار الأهليِّ، ولا كل ذي ناب من السَّبُع، ولا لُقَطَةُ مُعاهَد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم، فعليهم أن يَقْرُوه، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه)).



وفي لفظ أخرجه أحمد (17194): ((ألَا وإن ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرَّم الله)).



قال الخطابي معلقًا على هذا الحديث: "فالرسول صلى الله عليه وسلم يحذِّر بذلك مخالفة السنن التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما ليس له في القرآن ذِكْرٌ، على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض، فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن، فتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب، فتحيَّروا وضلُّوا"؛ [معالم السنن (7/ 8)].



أقوال الأئمة في منكري السنة:

أخرج أحمد عن أبي قتادة العدوي قال: دخلنا على عمران بن حصين في رهط من بني عَدِيٍّ، فينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحياء خيرٌ كله، أو إن الحياء خير كله))، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب - أو قال الحكمة - أن منه سكينةً ووقارًا لله، ومنه ضعفًا، فأعاد عمران الحديث، وأعاد بشير مقالته حتى ذكر ذاك مرتين أو ثلاثًا، فغضب عمران حتى احمرَّت عيناه، وقال: أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه لحديث الكتب، قال: فقلنا يا أبا نجيد، إنه لا بأس به، وإنه منا، فما زلنا حتى سكن.



وفي رواية أخرى عند أحمد: أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجيئني بالمعاريض، لا أحدثك بحديث ما عرفتك، فقالوا: يا أبا نجيد، إنه طيب الهوى، وإنه وإنه، فلم يزالوا به حتى سكن وحدَّث.



وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يبين خطورة رد الحديث فيقول: "إن التكذيب بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاق"؛ [أخرجه ابن ماجه (328)، وحسنه الألباني].



ويحذر كذلك أبو هريرة من دعوى الاكتفاء بالقرآن؛ فقد ورد عنه رضي الله عنه قال: "والذي نفسي بيده، لَيأتِيَنَّ على الناس زمان يحدَّثون بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقوم أحدهم فينفض ثوبه يقول: لا إلا القرآن، وما يعمل من القرآن بحرف"؛ [الحجة في بيان المحجَّة لقوام السنة (2/ 531)].



وعن الأوزاعي قال: "من بلغه حديثٌ فكذَّب به، فقد كذَّب ثلاثة؛ كذب الله ورسوله، والذي حدثه"؛ [الحجة في بيان المحجة لقوام السنة (2/ 531)].



وقال إسحاق بن راهويه: "من بَلَغَهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يقر بصحته، ثم ردَّه بغير تقِيَّة، فهو كافر"؛ [الإحكام لابن حزم (1/89)].



ويقول الإمام أحمد رحمه الله: "من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو على شفا هلكة"[1].



وقيل للإمام أحمد بن حنبل: يا أبا عبدالله، ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: قوم سوءٍ، فقام أحمد أبو عبدالله وهو ينفض ثوبه فقال: "زنديق زنديق زنديق"، ودخل بيته؛ [ذم الكلام (233)].



ونقل القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" في ترجمة إبراهيم بن أحمد بن شاقلا (ج2 ص135)، أنه قال: "ومن خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل، موصولة بلا قطع في سندها، ولا جرح في ناقليها، وتجرَّأ على ردِّها، فقد تهجَّم على ردِّ الإسلام؛ لأن الإسلام منقول إلينا بمثل ما ذكرت".



وقـال ابن الوزيـر: "إن التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلم أنه حديثه، كفرٌ صريح"؛ [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (2/ 374)].



ويقول عبدالقاهر البغدادي: "ومن ردَّ حُجَّة القرآن والسُّنَّة فهو الكافر"؛ [أصول الدين (ص162، 163)].



ويقول الحسن بن علي البربهاري في "شرح السنة" (ص 64): "ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام، حتى يردَّ آيةً من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئًا من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم... فإذا فعـل شيئًا من ذلك، فقد وجب عليك أن تُخرِجَه من الإسلام".



ويقول البربهاري أيضًا: "وإذا سمعت الرجل يطعن على الأثر، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار، فاتَّهِمْهُ على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوًى مبتدع، وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر، فلا يريده ويريد القرآن، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقُمْ من عنده وودِّعه"؛ [شرح السنة (113 - 119) باختصار].



وقال ابن حزم الأندلسي في "الإحكام في أصول الأحكام " (2/ 80): "ولو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة واحدة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك، حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا غالية الرافضة ممن اجتمعت الأمة على كفرهم".



وقال أيوب السختياني: "إذا حدَّثت الرجل بالسُّنَّة، فقال: دعنا من هذا، وحدِّثنا من القرآن، فاعلم أنه ضالٌّ مُضِلٌّ"؛ [الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، ص 16].



وعن أيوب قال: "إذا سمعت أحدهم يقول: لا نريد إلا القرآن، فذاك حين ترك القرآن" [ذم الكلام وأهله، رقم (212)].



وأخرج أبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" (227)، فقال: "أخبرنا عبدالواحد بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ قال: سمعت أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه الصبغي يناظر رجلًا، فقال: حدثنا فلان، قال له الرجل: دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا، فقال له الشيخ: قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعدُ، ثم التفت إلينا، فقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري غير هذا".



وعن الحميدي قال: "والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردُّون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ من أن أغزو عُدَّتَهم من الأتراك"؛ [ذم الكلام (228)].



وقال أحمد بن سنان: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يُبغِض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل بدعةً، نُزِعت حلاوة الحديث من قلبه"؛ [ذم الكلام (229)].







وقال الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 276): "باب القول في السنة المسموعة من النبي صلى الله عليه وسلم، والمسموعة من غيره عنه:

السنة على ضربين: ضرب يُؤخَذ من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهةً وسماعًا، فهذا يجب على كل أحد من المسلمين قبوله واعتقاده، على ما جاء به من وجوب وندب، وإباحة وحظر، ومن لم يقبله فقد كفر؛ لأنه كذَّبه في خبره، ومن كذَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، فقد ارتدَّ، وتجب استتابته، فإن تاب وإلا قتل".



وقال أبو قلابة الجرمي: "إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال: دَعْنا من هذا، وهاتِ كتاب الله، فاعلم أنه ضال"؛ [ذم الكلام وأهله رقم (210)].



وقال الإمام الذهبي تعليقًا على قول أبي قلابة: "قلت أنا: وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد، وهات العقل، فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهاتِ الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر، أو قد حلَّ فيه، فإن جبنت منه فاهرب، وإلا فاصرعه وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه"[2].



وقال السيوطي رحمه الله: "فاعلموا - رحمكم الله - أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولًا كان أو فعلًا، بشرطه المعروف في الأصول حُجَّةً، كَفَرَ وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشِرَ مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فرق الكفرة؛ روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يومًا حديثًا، وقال: إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبدالله؟ فاضطرب، وقال: "يا هذا، أرأيتني نصرانيًّا؟ أرأيتني خارجًا من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زنَّارًا؟ أرْوِي حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به"؛ [مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، ص 6].



وقال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (4/ 235، 236): "إن الاقتصار على الكتاب رأيُ قومٍ لا خلاق لهم، خارجين عن السنة؛ إذ عولوا على ما بنيت عليه، من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فاطَّرحوا أحكام السنة، فأدَّاهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة، وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله...".



وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: "والحاصل أن ثبوت حُجِّيَّة السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك، إلا من لا حظَّ له في دين الإسلام"؛ [إرشاد الفحول (1/ 97)].



وقال الشيخ المعلمي اليماني رحمه الله: "فمنكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقًا تُقام عليه الحُجَّة، فإن أصرَّ بَانَ كُفْرُه، ومنكرُ وجوبِ العمل ببعض الأحاديث، إن كان له عذرٌ من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها، فمعذور، وإلا فهو عاصٍ لله ورسوله، والعاصي آثِمٌ فاسق، وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقًا وقد مرَّ"؛ [الأنوار الكاشفة (ص: 81، 82)].



وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام، واتباع ما جاء به، كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله، والتمسك به، وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان، مَن جَحَدَ واحدًا منهما، فقد جَحَدَ الآخر وكذب به، وذلك كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم والإيمان"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (1/ 214)].



وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين في لقاء الباب المفتوح: "ومعلوم أن ردَّ السُّنَّة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام كردِّ القرآن تمامًا؛ لأن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من أحكام، فهو كما جاء في القرآن من الأحكام؛ إذ هو رسول الله عز وجل، فمن قال: لا أقبل إلا ما جاء في القرآن، قلنا: إنك واقع في هذا الحديث الذي حذر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُمَّتَه، أن يكونوا على هذا الحال.



ثم نقول له: إن ردَّك لِما جاء به الرسول هو ردٌّ لِما جاء به القرآن؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ [الجن: 23]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم".



ويُسأَلُ الشيخ عبدالرزاق عفيفي عن حكم من أنكر السنة بالجملة، فقال: "الحكم فيمن ردَّ السُّنَّة جملة - أي كلها - فهو كافر، فمن لم يقبل منها إلا ما كان في القرآن فهو كافر؛ لأنه معارض للقرآن، مناقض لآيات القرآن؛ والله تعالى يقول: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ [آل عمران: 32]، ويقول تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]"؛ [فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبدالرزاق عفيفي، قسم العقيدة، ص 303].



هذا ما تيسر، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.



[1] العواصم والقواصم لابن الوزير (4/ 229).

[2] سير أعلام النبلاء (4/ 472).








قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
[قضاء رمضان] من كتاب : الفقه على المذاهب الأربعة امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
(خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام)الكتاب : الفقه على المذاهب الأربعة امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
صور السنة الجديدة 2025 - صور عام 2025 - خلفيات السنة الجديدة - رمزيات السنة الجديدة لوكا موكا صور x صور
كيف وصلت إلينا السنة النبوية الشريفة؟ ومتى تم تجميعها؟ حنين الروح123 السنة النبوية الشريفة
السنة النبوية مكوناتها وخصائصها ومقاصدها للجنة اسعى❤ السنة النبوية الشريفة


الساعة الآن 03:06 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل