أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي من روائع تفسير ابن رجب﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )


من روائع تفسير ابن رجب﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
قال رحمه الله وقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله } هذا منتزع من قوله تعالى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾ فإن السؤال لله هو دعاؤه والرغبة إليه ، والدعاء هو العبادة ، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه ، وتلا قوله تعالى ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [ غافر 60] خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
قلت : وهذا مما يدلك على اهتمام ابن رجب رحمه الله بالأثر وتوثيق النصوص ، وتشير ضمناً إلى سعة علم الرجل في فنون الكتاب والسنة ومن هذا المنطلق جاء حث مشائخنا على الاهتمام بكتب الرجل والحرص على الاستفادة منها فجزاه الله خيراً.

قال ابن رجب رحمه الله : فأما السؤال فقد أمر الله بمسألته ، فقال ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) ﴾ [ النساء ] وفي الترمذي عن ابن مسعودٍ مرفوعاً { سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يُسأل } وفيه أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً { من لم يسأل الله يغضب عليه} وفي حديثٍ آخر : { ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسْع نعله إذا انقطع }

وفي النهي عن مسألة المخلوقين أحاديث كثيرةٌ صحيحةٌ ، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم جماعةً من الصحابة رضي الله عنهم على ألا يسألوا الناس شيئاً : منهم أبو بكر الصديق ، وأبو ذرٍٍ ، وثوبان ، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله إياه.
قلت : أنْعم به من امتثال ، بهذا والله بلغ الصحب الكرام المنازل العليا في الدنيا والآخرة بشدة تحريهم لامتثال أوامر المصطفى صلى الله عليه وسلم في أدق الأمور ، ولا يسمحوا لأنفسهم بالتأويلات ولا بالترخص إلا في أضيق الحدود فرضي الله عنهم وجمعنا بهم في جنات النعيم آمين.
من روائع تفسير ابن رجب﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )


ثم يواصل الإمام ابن رجب التدليل على ذلك فيقول : وخرَّج ابن أبي الدنيا من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنَّ بني فلان أغاروا عليَّ فذهبوا بابني وإبلي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :{ إن آل محمد كذا وكذا أهل بيتٍ : مالهم مدٌ من طعام أو صاع ، فاسأل الله عزَّ وجلَّ } فرجع إلى امرأته فقالت : ما قال لك ؟ فأخبرها ، فقالت : نِعْمَ ما ردَّ عليك ، فما لبث أن ردَّ الله عليه ابنه وإبله أوفر ما كانت ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس بمسألة الله عزَّ وجلَّ والرغبة إليه وقرأ : ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق ]
قلت : مَنْ لي بمثل هذه المرأة الصالحة المؤمنة الثابتة الموفقة التي قبلت ما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثقت به وصدقته ، وليس هذا فحسب بل ثبتت زوجها مع أن كلمها بفقد ابنها أشد منه ولا شك لرقة الإناث وتعلقهن بأولادهن حتى من العجماوات ولكنه الإيمان الذي يصنع الأعاجيب ويحمى في الفتن من الزلل والخطل اللهم ثبتنا على الحق يارب العالمين.

ثم يواصل ابن رجب استدلاله فيقول : وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله عزَّ وجلَّ ينزل كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ويقول : هل من داعٍ فأستجيب له ؟ هل من سائلٍ فأعطيه ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ } وخرَّج المحاملي وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { قال الله تعالى من ذا الذي دعاني فلم أجبه ؟ وسألني فلم أعطه ؟ واستغفرني فلم أغفر له؟ وأنا أرحم الراحمين }.
قلت : معترفاً بفضلك يارب والله لأنت صاحب الفضل والإنعام قد أجبت قد أجبت بل لقد أعطيت فوق ما سألنا ، وأعطيتنا من فضلك وإحسانك من الخير مالم نسأل فلك الحمد في الأولى والآخرة ولك الحمد عدد ما أنعمت وتفضلت وعدد ما خلقت وستخلق إلى يوم الدين.
من روائع تفسير ابن رجب﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )


ثم قال ابن رجب رحمه الله : واعلم أن سؤال الله عزَّ وجلَّ دون خلقه هو المتعيِّن ؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعتراف بقدرة المسئول على رفع هذا الضر ، ونيل هذا المطلوب ، وجلب المنافع ، ودرء المضارِّ ، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده ، لأنه حقيقة العبادة.
وكان الإمام أحمد رحمه الله يدعو ويقول: ( اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك ).
ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواه كما قال تعالى ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) ﴾ [ يونس ] وقال الله : ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) ﴾ [ فاطر ] والله سبحانه يحب أن يُسأل ويُرْغب إليه في الحوائج ، ويُلحَّ في سؤاله ودعائه ويغضب على من لا يسأله ، ويستدعي من عباده سؤاله ، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شئ ، والمخلوق بخلاف ذلك كله : يكره أن يُسأل ، ويُحب ألا يُسأل ، لعجزه وفقره وحاجته.

ولهذا قال وهب بن منبه رحمه الله لرجلٍ كان يأتي الملوك : ( ويحك ، تأتي من يُغلق عنك بابه ، ويُظهر لك فقره ، ويُواري عنك غناه ، وتدع من يفتح لك بابه ، بنصف الليل ونصف النهار ، ويُظهر لك غناه ، ويقول ادعني أستجب لك؟!).
وقال طاووس بن كيسان لعطاء بن أبي رباح رحمهما الله :( إيَّاك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، ويجعل دونها حُجَّابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة ، أمرك أن تسأله ووعدك بأن يُجيبك ).
وأما الاستعانة بالله عزَّ وجل َّ دون غيره من الخلق ، فلأن العبد عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه ، ودفع مضاره ، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عزَّ وجلَّ ، فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول ، وهذا تحقيق معنى قول : (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) فإن المعنى لا تحوُّل للعبد من حالٍ إلى حالٍ ، ولا قوة له على ذلك إلا بالله ، وهذه كلمة عظيمة وهي كنزٌ من كنوز الجنَّة ، فالعبد محتاجٌ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة ، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عزَّ وجلَّ ، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز }.
ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولاً.

كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى : لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه ، ومن كلام بعض السلف : يارب عجبتُ لمن يعرفك كيف يرجو غيرك ، وعجبتُ لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك . اهـ
قلت : هذه صفحات من حرص السلف على نقاء السيرة والسريرة ، وحسن التعبد لله ، وإخلاص التوجه إليه تنقل بنا الإمام ابن رجب في أفانينهم ، وقطف لنا من ثمار حياتهم ، فنعم القوم كانوا ، وإن الاستعانة بالله ليست كلمة تقال ، ولا خلقاً يُتجمل به وإنما يقين يتأصل في النفس وعمل قلبٍ لا يطلع عليه إلا الله وكل ما عبَّ المرء المسلم منه قرُب من الله ، واستمطر سحائب العون والرحمة فألان الله له كل شديد ، ويسَّر له كل عسير فهل من متقلب في ظلِّ رحمة الله وعونه فيفوز برضى ربه ويتنعم بأنوار القرب منه سبحانه كما تنعم القوم
اللهم يسِّر لنا قربك وأعنَّا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك آمين يارب العالمين.





إبراهيم بن محمد الهلالي
صيد الفوائد
من روائع تفسير ابن رجب﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )



أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
مختارات من تفسير الآيات 2 امانى يسرى القرآن الكريم
تفسير قصة داود المذكورة في سورة ص امانى يسرى القرآن الكريم
قصص القرآن الكريم .. حبيبة أبوها القرآن الكريم
تفسير سورة العاديات لابن كثير رحمه الله, سورة العاديات مفسره للشيخ ابن كثير وقراءة للشيخ مشاري بن راشد العفاسي جنا حبيبة ماما القرآن الكريم
حياة ومولده ابن سينا زاهرة الياياسمين شخصيات وأحداث تاريخية


الساعة الآن 07:57 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل