التسمم الدوائي .....أسبابه وعلاجه
يعد التسمم بالأدوية والمواد المنزلية من أكبر المشاكل الصحية القائمة عالمياً والأكثر شيوعاً بين كل طبقات المجتمع وفئات الأعمار، فحوادث التسمم تشمل الأطفال واليافعين والشباب والكهول.
ويحدث التسمم إما عرضاً أو بالخطأ، وبمحاولة الانتحار أو بالتعرض لمواد كيميائية في مكان العمل أو المنزل. وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60% من حالات التسمم تحدث للأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات ويرجع السبب في إلى أن الأطفال من سن الخامسة يميزون ويستكشفون أي مادة بإحدى الطرق الثلاث التالية: التذوق، الشم، واللمس.
كما تشير الإحصائيات أيضاً أن البنادول أو دواء الأسيتومينوفن (Acetomenophen) المستخدم للصداع والألم هما أكثر الأدوية شيوعاً في التسمم عند الأطفال، كذلك تعد المنظفات المنزلية من أكثر المواد المنزلية المسببة للتسمم
ماهو التسمم:
التسمم: عبارة عن أي مادة (طبيعية أو مصنعة) تحدث أضراراً داخل الجسم أو خارجه، ويجب معرفة ستة أمور لكي نحدد سُمّية أي مادة، وهي:
1) نوعية المادة نفسها إذ ليست كل المواد سامة.
2) الجرعة أو المقدار المتعاطى من المادة.
3) الوقت منذ تعاطي المادة (أي كم من الوقت مضى على تناول المادة) وعلى ضوئه تتحدد نوعية العلاج المتبع في حالة التسمم.
4) عمر الشخص ووزنه، لأن الجرعة قد تكون سامة للطفل وليست للكبير أو لوزن معين، كذلك معرفة ما إذا كان التسمم عن قصد أو خطأ.
5) الأعراض المصاحبة، قد تكون شديدة أو بسيطة.
6) إذا كان يستخدم أدوية لمرض ما، لأن بعض التسمم يكون من تداخل الأدوية أو استخدام عدة أدوية.
أنواع التسمم:
يصنف التسمم إلى نوعين:
1) تسمم مزمن: يحدث نتيجة التعرض المستمر للأدوية والكيماويات بكميات ولفترة طويلة كما في حالات التسمم الصناعي أو حالات الإدمان على المخدرات والمنومات وبعض الأدوية الأخرى التي تؤخذ خلال فترة طويلة بكميات معتدلة.
2) تسمم حاد: ويحدث في الغالب نتيجة تعاطي الدواء عن طريق الفم بجرعات عالية وتمثل الأدوية أكثر من 50% من مجموع الإصابات التسممية في جميع أنحاء العالم.
التسمم بالأدوية
يعد الدواء سلاحاً ذا حدين، فهو دواء شافٍ لمرض ما إذا ما أعطي في حدود الجرعة المقررة، أما إذا زادت كمية الدواء عن الجرعة العلاجية عن طريق الخطأ أو القصد فإن هذا الدواء يكون سماً في الجسم ويجب اتباع طرق علاجية معينة للتخلص من السم أو معالجة الحالة.
وهناك ما يعرف بالحدود الدوائية لكل دواء، أي أن الدواء في جرعته المحددة يكون علاجاً للمرض، فإذا زادت الجرعة يكون تركيز الدواء في الدم عالياً وبهذا يحدث التسمم ويسمى حد التسمم وإذا ما نقصت الجرعة عن المطلوب لحدوث التأثير الدوائي فإن تركيز الدواء في هذه الحالة يكون أقل من المطلوب وهو ما يعرف بالحد الأقل من العلاجي.
أسباب التسمم بالأدوية:
هناك عدة أسباب للتسمم نوجز منها التالي:
1) وجود أنواع مختلفة من الأدوية في المساكن وكثرة تداولها.
2) عدم حفظ الأدوية في مكانها الصحيح، مثل صيدلية المنزل، أو في مكان آمن ومقفل لا يصل إليه الأطفال.
3) تسمية الأدوية بالحلوى للأطفال حيث يتناول الطفل الدواء كأنه حلوى.
4) ترك الأطفال بمفردهم من غير إشراف من شخص كبير خاصة في المناسبات الاجتماعية.
5) إمكانية الخطأ باستعمال الأدوية من قبل الكبار.
6) عبث الأطفال وتقليدهم الكبار في أخذ الدواء.
7) تناول الأدوية بقصد الانتحار وهذا يدل على ضعف الوازع الديني.
8) عدم اتباع تعليمات وإرشادات الصيدلي أو الطبيب في تناول الدواء.
9) عدم سؤال الصيدلي أو الطبيب في حالة حدوث خطأ عند أخذ الدواء أو في حالة عدم أخذ الدواء وبهذا يتصرف الشخص من تلقاء نفسه.
الأدوية المسببة للتسمم:
أهم المجموعات الدوائية التي تسبب التسمم عند تعاطيها بالجرعات العالية أو أخذها خطأ أو انتحاراً هي:
1) أدوية الجهاز العصبي المركزي.
2) المسكنات ومضادات الحمى.
3) أدوية الجهاز الدوري.
4) الأدوية المضادة للهستامين.
5) الأدوية المخفضة للسكر والأدوية المانعة للحمل.
6) الأدوية المرخية للعضلات.
ولعلنا في هذه الحلقة نتناول التسمم بأدوية الجهاز العصبي المركزي وهي تشمل:
أولاً : المهدئاتTranquilizers :
وهذه تقسم إلى:
(1) المهدئات الكبرى Major Tranquilizers:
- مجموعة الفينوثايازينPhenothiazine :
مثل برومازينPromazine
وكلوبرومازين.
- مجموعة الآفينوثايازينNon-Phenothiazines ،
مثل بيوتيروفينونButerophenones ومنها الهالوبيرودول Haloperidol.
وهذا النوع من الأدوية التسمم به قليل نظراً لقلة استخدامه عند الناس.
(2) المهدئات الصغرى Minor Tranquilizers:
تعد أدوية هذه المجموعة من أكثر المهدئات في الوصفات حتى الآن ولهذه المركبات تأثير مهدئ على الجهاز العصبي المركزي وهي توصف لعلاج حالات عصبية ونفسية بسيطة كالأرق والقلق وحالات الصرع، كما تستعمل كمضادات للتشنج (Anticonvulsants) في جرعات كبيرة حيث تسبب النوم
ومن أمثلة هذه المجموعة مايعرف
بمشتقات بنزو دايازابين (Benzodiazapines)
مثل الفاليوم (Valium)
والليبريوم(Librium)
والأتيفان (Ativan)
وبالرغم من الاستعمال الكثير لمركبات هذه المجموعة إلا أن الأعراض الجانبية والتسممات التي تسببها تعتبر قليلة لذلك تصدرت قائمة الأدوية العلاجية المهدئة في الوصفات الطبية وخطورتها تكمن في استعمالها للانتحار من قبل بعض الناس الذين يعانون من القلق والاضطرابات النفسية وكذلك بتناول جرعات عالية منها مع مركبات دوائية أخرى لها تأثير مهدئ أو منوم.
والتأثير السمي لهذه المركبات له مدى كبير يبدأ من الهدوء التام إلى الإغماء وتكون الأعراض على شكل دوار وصعوبة في الكلام وتدلي الجفون الجزئي وهلوسة وغثيان وصداع وانخفاض ضغط الدم وبطء التنفس.
والجرعات التي تظهر التأثير الضار على القلب والتنفس حوالي مائة ضعف الجرعات العلاجية ومن أعراض التسمم المزمن بها الاكتئاب والترنح Ataxia وقلة الرغبة الجنسية.
المعالجة:
ومن الأمور التي يجب معرفتها في حالات التسمم أنه ليس لكل مادة كيميائية أو دواء مضاد له (أو مبطل للتسمم) أو ما يعرف بالترياق(Antidote) ، لذا قد تعالج الأعراض في حالات كثيرة من التسمم بالمواد الكيميائية أو الدواء بما يلي:
1) التأكد من أنه أخذ جرعة سمية.
2) إحداث القيء وإعطاء الفحم المنشط خلال أربع ساعات من تناول الدواء
3) المساعدة بالتنفس الاصطناعي وإعطاء الأكسجين.
4) مراقبة ضغط الدم وإعطاء السوائل عن طريق الوريد.
5) عدم إعطاء المريض مهدئات أخرى.
6) فلومازينيل يعد هو الترياق للتسمم بمادة بنزودايازبين Benzodiazapines.
مما لا شك فيه أن بعض الخطوات لمعالجة التسمم تتم في المنزل مثل رقم 1 و2 حيث تقلل من حدة التسمم، أما باقي الخطوات فيجب نقل المريض للمستشفى لتتم المعالجة تحت إشراف طبي .
ثانياً: المنوماتHypnoties :
الأدوية المنومة غالباً ما توصف للذين يعانون من الأرق وعندما تكون حالة الأرق شديدة أو مزمنة عند بعض الناس تظهر عليهم علامات الاكتئاب وعندئذ تكون المنومات أدوية خطرة في أيديهم وذلك لاحتمال القيام بالانتحار وبعض المرضى يسيئون استعمال المنومات وذلك بتناولها مع أدوية أخرى كالمهدئات أو الكحول وذلك تتضاعف خطورتها، والأدوية المنومة عديدة الأنواع وأكثرها شيوعاً وخطراً مركبات الباربيتيورات وهي مشتقات حمض الباربتيوريك والكورال هيدرات.
(1) مجموعة الباربيتيورات:Barbiturates :
أكثر المركبات الباربيتورية التي تستعمل طبياً تتشابه من الناحية التركيبية في شكلها الكيميائي مع وجود بعض الاختلافات البسيطة التي تسبب الاختلافات في مدى فعلها المنوم.
وقد ينشأ التسمم من هذه المركبات إذا أخذت بكميات أعلى من الجرعات العلاجية أو إذا أخذت خطأ وقد تؤخذ عمداً بقصد الانتحار وكذلك فإن تكرار استعمالها يؤدي إلى الإدمان وتستعمل الباربيتيوريات طبياً كمنومات لا كمهدئات وفي التخدير أثناء العمليات الجراحية وكأدوية مضادة للتشنجات والصرع.
ويمكن تصنيف الباربيتيورات بحسب مدى تأثيرها في الجسم كما يلي:
طويلة التأثيرLong acting مثل: فينوباربيتال Phenobarbital (Luminal)
متوسطة التأثير Intermediate acting : مثل Amobarbital (Amytal).
قصيرة التأثير Short acting: مثل Secobarbital (Seconal).
سريعة التأثيرUltra short acting مثل Thiopental (Pentothal).
كل المركبات المذكورة في التصنيف أعلاه تختلف في مدى تأثيرها على الجسم لكنها تتفق جميعاً في طريقة التأثير (التأثير المنوم) ولذلك فإن أعراض التسمم بها تكون متشابهة تقريباً ما عدا اختلاف ظهور الأعراض. ويحصل التسمم الحاد بها إما عرضياً نتيجة الخطأ أو الإهمال في تناولها أو انتحارياً لعدم إحساس المنتحر بألم أو جنائياً في الجرائم الجنسية.
ويعتمد ظهور الأعراض على الكمية المتعاطاة والفترة الزمنية التي مضت على تناول المادة وكذلك على نوع الباربيتيورات حيث إن الباربيتوريات المديدة التأثير تحتاج فترة أطول لحدوث الإغماء من تلك التي لها تأثير قصير المدى وحوادث الموت تكون أكثر في الغالب في المركبات المديدة التأثير وذلك لاحتمال حصول الاضطرابات والانتكاسات بعمل الأجهزة والأعضاء الجسمية خلال فترة الإغماء الطويلة وتبدأ أعراض التسمم بصداع ودوار ونعاس وخمول وغثيان يلي ذلك النوم العميق والغيبوبة.
وتتميز غيبوبة الباربيتيورات بما يلي:
زرقة الجلد وانخفاض حرارة الجسم
وانخفاض ضغط الدم
والتنفس البطيء والشخيري (Stertorous breathing)
الذي قد يكون مصحوباً بمضاعفات رئوية والتهابية والتوسع القليل بحدقة العين وانعدام المنعكسات في الجسم
وقلة البول وظهور الألبومين فيه (Albuminuria)
وقد يظهر الطفح الجلدي فقاعي أو بقع حمراء.
وقد يؤدي التسمم بالجرعات العالية من الباربيتيورات إلى
شلل في مركز التنفس وإلى حالة اختناق
و حدوث التهاب قصبي رئوي قد يؤدي إلى الوفاة.
المعالجة:
1) غسل المعدة بالماء أو بمحلول الفحم المنشط.
2) المحافظة على المسالك التنفسية واستعمال أنبوبة القصبة الهوائية (endotracheal tube)، كما يعطى الأكسجين عند وجود قصور في التنفس.
3) إعطاء مدرات البول لزيادة طرح ما تبقى من الباربيتيورات خارج الجسم، وهذه الطريقة فعالة مع الباربيتيورات طويلة المفعول، أما القصيرة والمتوسطة المفعول فيجب عمل غسيل بريتوني، أو دموي أو تنقية الدم لإزالتها من الجسم.
4) مراعاة تدفئة المريض والمحافظة على سائل الجسم بإعطاء تغذية عن طريق الوريد.
5) مراقبة ومعالجة الالتهاب الرئوي عند المصاب وذلك بإعطاء المضاد الحيوي المناسب.
(2) الكلورال هيدراتChloral hydrate :
كان أول استعمال للكلورال هيدرات كمنوم ومهدئ سنة 1869م وما زال يستعمل إلى يومنا هذا وهو سريع المفعول ويظل تأثيره لمدة قصيرة ويكثر استخدامه للأطفال وكبار السن والعقار مهيج للغشاء المخاطي المبطن لجدار المعدة ولذلك يجب أن يؤخذ ويخفف بالماء أو اللبن لتجنب الغثيان القيء.
وإذا أخذ بجرعات كبيرة (سامة) فإنه يؤدي إلى غثيان وقيء وهبوط في التنفس وانخفاض في ضغط الدم ثم غيبوبة.
المعالجة:
تتبع الطرق التقليدية لعلاج حالات التسمم من غسل المعدة بالماء
والفحم المنشط،
إجراء التنفس الاصطناعي
وإعطاء السوائل عن طريق الوريد
وقد يحتاج المريض إلى الديلزةDialysis
وكل هذه الخطوات يجب أن تتم في المستشفى تحت إشراف طبي.
م/ن