إذا كنت تحاول أن تتناول وجبة صحية لقلبك، فسيتبين لك أن كل ما تؤمن به أمر مسلم به لدى الجميع. فالنصائح التي توجه إلينا بتناول الأغذية ابتداء من البيض وانتهاء بزيت الزيتون، عادة ما تكون متناقضة بشكل يثير الجنون.
المثير للمفارقة أن هذه الارتباك المتزايد يأتي في وقت يحاول فيه العلماء الذين يقومون بدراسة التغذية، معرفة أكثر مما هو معروف. بيد أننا نسمع في كثير من الأحيان عن أحدث الدراسات فقط (التي ربما تكون رديئة البحث) أو بحث تم انتقاؤه بعناية لدعم أجندة (أي أهداف) معينة. وهو ما يبدو أشبه بمشاهدة قطعة أو قطعتين من لغز ومحاولة تحديد الصورة ككل.
ولكي تعرف ما يظهره العلم بشكل فعلي، ينبغي أن تنظر إلى كل الأدلة، وأن تعطي مزيدا من الثقل إلى الدراسات الأكثر مصداقية. وفي الكثير من الحالات، يمكن أن يقدم لنا هذا مؤشرا موثوقا على ما هو جيد أو سيئ. وبناء على مراجعة دقيقة للبحث، هناك ما هو مقبول - وما ليس مقبولا – بشأن بعض المزاعم المألوفة بشأن صحة القلب.
فائدة المكسرات
* المكسرات مفيد لصحة قلبك. هذا صحيح، فقد كان ينظر إلى المكسرات في السابق على أنها من المواد الغذائية الغنية بالدهون التي ينبغي تجنبها بأي ثمن. ويوصى بالمكسرات الآن كطعام صحي يؤدي تناوله إلى تجنب أمراض القلب.
وربما كان ذلك صحيحا، فالكثير من دراسات الاستطلاع والمتابعة (cohort studies) الضخمة (تلك النوعية من الدراسات التي يسأل فيها أفراد نفس المجموعات عن عاداتهم الغذائية ثم يتم متابعتهم لسنوات أو عقود)، التي وجدت بما لا يدعم مجالا للشك احتمالات أقل لحدوث أمراض القلب وكذلك حدوث الوفيات لدى الذين يأكلون المكسرات، بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الوظيفة.
وقد تعززززززززززززت هذه الاستنتاجات بفضل نتائج التجارب السريرية التي أظهرت أن المكسرات تخفض مستويات الكولسترول من ذلك النوع المرتبط بالمخاطر المتزايدة لأمراض القلب. ويتضح أيضا أن المكسرات تقلل من التهاب الشرايين، الذي قد يسهم في النوبات القلبية.
لكن ما هي نوعية المكسرات الأفضل بالنسبة لك؟ إذا أنصت إلى منتجي الجوز واللوز أو الفول السوداني (وهو الذي ليس من الناحية الفنية من الجوز، لكنه من البقول)، فسيخبرك كل واحد منهم أن النوع الذي ينتجه أفضل بسبب بعض المكونات التي يحتويها. الحقيقة هي أنه من المستحيل القول ما هو الأفضل لأن أحدا لم يجر مقارنة مباشرة بينها.
تحتوي كل أنواع المكسرات على نسبة عالية نسبيا من الدهون غير المشبعة، التي يعتقد أنها مفيدة بالنسبة للقلب. وكل المكسرات تحتوي على سعرات حرارية مرتفعة نسبيا، لذا من المهم الانتباه إلى حجم الحصص المتناولة. وعدد من حبات المكسرات بمقدار نصف حفنة لليد، كاف لجني الفوائد الصحية. وقد يؤدي إلى فقدان الوزن عبر مساعدتك على الإحساس بالشبع، لكن الإكثار من تناول المكسرات يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الوزن.
حبوب الشوفان
* حبوب الشوفان تخفض الكولسترول. صحيح، إذ إنها تحتوي على نوع من الألياف القابلة للذوبان المعروفة باسم «بيتا غلوكان» (beta – glucan)، التي توجد أيضا في الشعير. ويعتقد أنها تخفض الكولسترول عبر الارتباط بأحماض المرارة وإزالة بعضها من الجسم. وتصنع أحماض المرارة عادة من الكولسترول، لذا وعندما يضطر الجسم إلى نشر المزيد من الكولسترول الذي يفرزه للمساعدة في الحلول محل الأحماض المرارية التي أزيلت، فإن كميته تصبح قليلة في الدم.
وقد أجرت مؤسسة كوكران كولابوراشن، وهي منظمة مستقلة تعمل
على تقييم العلاجات المتنوعة، تحليلا جمعت فيه نتائج 8 دراسات عشوائية شارك فيها أفراد يعانون من ارتفاع في مستوى الكولسترول والعوامل الأخرى التي تشكل خطورة بالنسبة لأمراض القلب.
ووجدت الدراسة أن الأفراد الذين عهد إليهم بأكل حبوب الشوفان بصورة يومية قد انخفضت لديهم مستويات الكولسترول الكلي والكولسترول منخفض الكثافة (LDL) (الضار) بـ7 أو 8 نقاط أكثر من الأشخاص الذي تناولوا وجبة من الحبوب النقية. كان عمر الدراسات 4 إلى 8 أسابيع فقط، لذا لم تتمكن من التوصل إلى التأثيرات بعيدة المدى.
وللحصول على نتائج ملحوظة، فنحن بحاجة إلى 3 غرامات من «بيتا - غلوكان» يوميا، التي يمكن الحصول عليها بتناول كوب ونصف الكوب من الشوفان المطهو، و3 أكواب من دقيق الشوفان سريع الذوبان، أو 3 أكواب من رقائق الإفطار الصباحي المصنوع من الشوفان، ولسوء الحظ لا يمكن الاعتماد على بسكويت الشوفان.
زيت السمك
* زيت السمك يحمي قلبك. صحيح، فقبل عدة عقود اكتشف العلماء أن سكان غرينلاند من الإسكيمو نادرا ما يموتون بسبب أمراض القلب على الرغم من ارتفاع نسبة الدهون في وجباتهم من الأسماك. وتوصل الباحثون إلى أن دهون السمك كانت وقائية بصورة ما، وهو ما عززززززززززززته بشكل كبير الأبحاث التي أجريت في ما بعد.
وقد أظهر الكثير من الدراسات الجماعية أن الأشخاص الذين يتناولون الأسماك أقل عرضة للوفاة نتيجة الإصابة بأمراض القلب من الأفراد الذين لا يتناولونها. وقد أثبتت التجارب العشوائية التي شملت أفراد نجوا من النوبات القلبية أن الأشخاص الذين تناولوا الحبوب من مكملات زيت السمك كانوا أقل عرضة للوفاة نتيجة الإصابة بأمراض القلب من الأفراد الذين لم يتناولوها. وفي دراسة عشوائية للأفراد المصابين بارتفاع في نسبة الكولسترول تبين أن المشاركين الذين تناولوا زيت السمك أصيبوا بعدد أقل من النوبات القلبية والوفاة نتيجة أمراض القلب.
وتبدو المكونات الرئيسية للأحماض الأمينية أوميغا - 3 EPA وDHA، التي توجد في غالبية الأسماك ولكنها توجد بشكل خاص في أسماك بعينها مثل السلمون والماكريل والسردين والتونة. وتشير الدراسات إلى أن هذه الدهون تعمل على استرخاء الشعيرات الدموية وخفض ضغط الدم ومنع وقوع الحركات غير الطبيعية وخفض دهون الدم المعروفة باسم الدهون الثلاثية.
وعلى الرغم من أن الأدلة الخاصة بالفوائد قوية بالنسبة للأفراد المصابين بأمراض القلب أو المصابين المعرضين لذلك، فإنه لا يتضح بشكل كبير ما إذا كان زيت السمك يجنب الإصابة بأمراض القلب في هذه الحالات الأقل عرضة للخطر. بيد أنه من المستحسن اتباع توصيات الجمعية الأميركية للقلب وتناول الأسماك الدهنية مرتين أسبوعيا على الأقل. فالأفراد المصابون بأمراض القلب ينصحون بتناولها مرتين على الأقل أو 1.000 ملليغرام من مزيج EPA وDHA.
البيض والقلب
* البيض يسبب أمراض القلب. خطأ، إذ أجرى الباحثون عددا من دراسات الاستطلاع والمتابعة طويلة الأجل على البيض وأمراض القلب التي تتبعت مئات الآلاف من الأفراد بصورة جماعية. وبشكل عام قام العلماء بتبرئة البيض، فأكل 6 بيضات أسبوعيا لم يكن مرتبطا بارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب (النوبات القلبية، السكتات الدماغية)..
فكيف يكون ذلك إذا كان صفار البيض يحتوي على نسبة عالية من الكولسترول؟ يتكون معظم الكولسترول لدينا عبر الكبد، وتزداد النسبة عند تناول الدهون المشبعة وغير المشبعة، لكن كولسترول المواد الغذائية يبدو أن له تأثيرا بسيطا على مستويات الكولسترول لدى معظم الأفراد. ويؤثر الكولسترول الغذائي في الأفراد على ما يسمى «المستجيبات المفرطة»، وتظهر الدراسات إمكانية أن تكون هناك زيادة في نسبة الكولسترول الحميد (HDL) إلى جانب النوع الضار مما يساعد على تجنب أي أخطار متزايدة.
كذلك، قد ينتج الكولسترول الغذائي بجزيئات أكبر من الكولسترول منخفض الكثافة (الضار)، يعتقد أنها تشكل تهديدا أقل من الجزيئات الأصغر لهذا الكولسترول.
يحتوي البيض على نسبة منخفضة نسبيا من الدهون المشبعة، ويحتوي على مصدر للبروتين والكثير من الفيتامينات والأملاح المعدنية. ويمكن أن يكون صحيا وبديلا أكثر إشباعا من الفطائر عالية السعرات الحرارية، والكعك والحبوب السكرية.
زيت الزيتون
* زيت الزيتون هو الزيت الأكثر فائدة للقلب. خطأ، إذ عادة ما يصنف زيت الزيتون على أنه طعام نباتي صحي للقلب لاحتوائه على نسبة عالية من الدهون الأحادية غير المشبعة. لكنه منخفض أيضا في الدهون غير المشبعة عنه في الزيوت الأخرى. وتعتبر كلا الدهون الأحادية غير المشبعة والدهون الكثيرة غير المشبعة دهونا جيدة يمكن أن تخفض من مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
ولم يتضح بعد أفضلية أي من هذه الدهون، لكن البحث يشير إلى أن الدهون الكثيرة غير المشبعة ربما تتميز بأنها أفضل في ما يتعلق بخفض الكولسترول منخفض الكثافة، في الوقت الذي تنتج فيه الدهون الأحادية غير المشبعة الكولسترول عالي الكثافة.
وقد وصفه أحد التحليلات بأنه متعادل، وخلص إلى أن استبدال الدهون المشبعة سواء عبر الدهون الكثيرة غير المشبعة والأحادية غير المشبعة له تأثير مفيد على مستويات الكولسترول. ووجد بحث آخر أن استبدال الدهون غير المشبعة بالدهون المشبعة كان مرتبطا بالمخاطر المتزايدة للأزمات القلبية، في الوقت الذي ارتبطت به الدهون غير المشبعة بانخفاض المخاطر.
وعلى الرغم من أن هذه النتائج ليست بالضرورة اتهاما لزيت الزيتون، فإنها أثارت شكوكا في الانطباع بأن مستوياته العليا من الدهون غير المشبعة تجعل زيت الزيتون أكثر صحية.
النظرية الأخرى هي أن زيت الزيتون من مضادات الأكسدة، إذ يعرف بأن له مواد البوليفينول التي تجعله أكثر صحية من منافسيه. وتشير الأبحاث إلى أن الزيوت الخام والزيوت الخام الممتازة التي ترتفع فيها نسبة مواد البوليفينول ربما تكون أكثر صحية للقلب من زيت الزيتون المصفى. لكن الأدلة لا تزال أولية ولا تلقي كثيرا من الضوء على كيف يمكن لزيوت الزيتون الخام أن يقارن بالزيوت الأخرى. وكانت النتيجة النهائية هي أن الزيوت الأخرى مثل زيت الكانولا، قد يكون صحيا مثل زيت الزيتون، وربما أكثر.
القهوة والقلب
* القهوة تشكل خطورة على القلب. خطأ، فقد وجدت دراسات الاستطلاع والمتابعة التي تتبعت عشرات الآلاف من الأشخاص لعدة سنوات، أن شاربي القهوة غير معرضين بشكل كبير إلى الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية مقارنة بالأفراد الذين لا يشربونها. وقد تبين بالفعل أنها تتسبب في أضرار محدودة. وعلى الرغم من الاحتمالات بأن يرفع تناول القهوة من ضغط الدم بصورة مؤقتة، لا توجد أدلة مؤكدة على أن القهوة تسبب ارتفاع ضغط الدم. ويبدو أن شاربي القهوة يعيشون عمرا بنفس قدر الممتنعين عن تناولها وربما أطول قليلا.
أحد الأسباب المحتملة لهذه الفوائد الواضحة هي أن القوة غنية بالمواد المضادة للأكسدة. وعلى الرغم من توصل بعض الدراسات إلى أن تناول نحو 6 فناجين من القهوة يوميا مرتبطة بهذه الفوائد، وهذا أكثر مما توصي به السلطات الصحية لأن التأثيرات الجانبية المتوقعة للكافيين، التي تتضمن الأرق، والتوتر واضطراب في المعدة. وبالنسبة للكثير من الناس، فإن أكبر أخطار القهوة على الصحة هي زيادة الوزن.
على الرغم من احتواء فنجان القهوة السوداء يحتوي على سعرين حراريين فقط، فإنه قد يرتفع بشكل كبير إذا ما أضيف إليه القشد أو السكر أو شرب المشروبات المخلوطة، التي يمكن أن تحتوي على عدة مئات من السعرات الحرارية.
دهن المارجرين والزبد
* المارجرين أفضل من الزبد. شبه صحيح، فالمارجرين (margarine) الذي يصنع من الزيوت النباتية يحتوي على كمية أقل من الدهون المشبعة مقارنة بالزبد. لكن عملية تحويل هذه الزيوت النباتية إلى صورة صلبة يمكن أن ينتج عنها دهون مشبعة، ربما تكون أكثر خطورة للقلب من الدهون المشبعة.
وقد وجدت دراسات الاستطلاع والمتابعة أن الأفراد الذين يضيفون المارجرين إلى طعامهم أكثر عرضة لأمراض القلب من الأشخاص الذين يستخدمونه بصورة نادرة. وفي دراسات أخرى أخضع باحثون أفرادا لتناول أنواع مختلفة من الطعام الغني بالدهون وقاسوا التأثير على معدل الكولسترول.
ومقارنة بالزبد خفض المنخفض الكولسترول منخفض الكثافة الضار، لكنه خفض أيضا الكولسترول عالي الكثافة، أيالنوع الحميد. هذا الخاسر الأكبر في هذه المواجهة كان المارجرين الجاف الذي كان أكثر ضررا من الزبد. من ناحية أخرى أثبت المارجرين شبه السائل أن له تأثيرا مفيدا على مستويات الكولسترول من الزبد. وقد طرح أصحاب المصانع بعض أنواع المارجرين المنخفضة في الدهون المشبعة والخالية من الدهون غير المشبعة. وهو ما يجعله خيارا أفضل من الزبد.
بيد أن السمن ليس طعاما على وجه التحديد. ولا الزبد. ورهانك الأفضل هو في تقليل استخدام كل من المارجرين ومن الزبد قدر الإمكان.