الصلاة و السلام على أشـــــ الخلق ـــــــــرف سيدنا و حبيبنا و شفيعنا
محمـــــ صلى الله عليه و سلم ــــــــــــــــد و على أله و أصحابه أجمعين الي يوم الدين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عَن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُاللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «استَـحيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» قَالَ: قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا نَستَـحْيِي وَالـحَـمدُ لِلَّـهِ؛ قَالَ: «لَـيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِستِحيَاءَ مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ: أَن تَـحفَظَ الرَّأسَ وَمَـا وَعَى، وَالبَطنَ وَمَـا حَوَى، وَلتَذكُرِ الـمَوتَ وَالبِلَـى؛ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، تَـرَكَ زَيـنَةَ الدُّنـيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَـحيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» رواه الترمذي (2458)، وحسنه لغيره الألباني رحمه الله في «صحيح الترغيب والترهيب» (1724).
نَعَمْ! هَذَا هُوَ الاِستِحيَاءُالحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ نَبِيُّ الإِسْلَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ حَوَاسَّهُ، يَحْفَظُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَى فُحْشٍ، وَغِنَاءٍ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيْحٍ أَوْ مُنْكَرٍ؛ وَكَذَلِكَ يَحْفَظُ بَطْنَهُ فَلَا يُدْخِلُ إِلَيْهِ حَرَامًا، وَيَحْفَظُ فَرْجَهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فَاحِشَةً.
وَيَذْكُرُ المَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَسْتَعِدُّ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَآثَرَ مَـا يَبقَى عَلَـى مَـا يَفنَى، فَآثَرَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا. وَهَكَذَا يَكُونُ قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى الاِستِحيَاءِ؛ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الحَيَاءِ.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَاللَّهِ أَوْصِنِي؟ قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِـحًا مِنْ قَوْمِكَ». أخرجه أحـمد فـي «الزهد» (ص 59)، وجوَّد إسنادَه الألبانيُّ رحمه الله في «الصحيحة» (741).
يَا لَهَا مِن وَصِيَّةٍ: مَا أَجَلَّهَا وَأَعْلَاهَا! لِمَن وُفِّقَ لِلعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا.
فَمِنْ وَقَارِ اللَّهِ: أَنْ يَسْتَحِيَ العَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى «فِي الخَلوَةِ، أَعظَمَ مِمَّا يَستَحِي مِنْ أَكَابِرِ النَّاسِ»«فوائد الفوائد» ( ص75).
وَاعلَم أَنَّ اللَّهِ تَعَالَى نَاظِرٌ إِلَيكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيكَ، فَقُل لِنَفسِكَ: لَو كَانَ رَجُلٌ مِنْ صَالِـحِي قَومِي يَـرَانِي، لَاستَـحَيْتُ مِنْهُ، فَكَيفَ لَا أَستَـحِي مِن رَبِّـي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ لَا آمَنُ تَعجِيلَ عُقُوبَتِـهِ وَكَشفَ سَتـرِهِ؟!«وصية الإمام ابن قدامة المقدسي» (ص31).
فَإِنَّ مَنْ عَلِـمَ أَنَّ اللَّـهَ يَـرَاهُ حَيثُ كَانَ، وَأَنَّـهُ مُطَّلِعٌ عَلَـى بَاطِنِـهِ وَظَاهِرِهِ وَسِـرِّهِ وَعَلَانِـيَتِـهِ، وَاستَـحضَـرَ ذَلِكَ فِـي خَلَوَاتِـهِ، أَوجَبَ لَـهُ ذَلِكَ تَـركَ الـمَعَاصِـي فِـي السِّـرِّ.
قَالَ القَحطَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَةٍ
وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ
فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا إِنَّ
الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي
«نونـية القحطانـي» (ص90).
وَعَن مُعَاوِيَةَ بنِ حَيدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قُلتُ: يَارَسُولَاللَّـهِ، عَورَاتُنَا
مَـا نَأتِي مِنْهَا وَمَـا نَذَرُ؟ قَالَ: «احفَظْ عَورَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوجَتِكَ، أَو مَـا مَلَكَت يَمِيـنُكَ» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِذَا كَانَ القَومُ بَعضُهُـم فِـي بَعضٍ؟ قَالَ: «إِنِ استَطَعتَ أَن لَا يَـرَيَنَّـهَا أَحَدٌ، فَلَا يَـرَيَنَّـهَا» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِـيًا؟ قَالَ: «اللَّـهُ أَحَقُّ أَنْ يُستَـحيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ»رواه أبو داود (4017)، وحسنـه الألبانـي رحمه الله فـي «صحيـح سنن أبـي داود» (2/499).
فَقَد أَمَرَ النَّبِـيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم الرَّجُلَ: أَن يَستُـرَ عَورَتَـهُ، وَإِن كَانَ خَالِيًا لَا يَـرَاهُ أَحَدٌ، تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاستِحيَاءً مِنهُ؛ فَكَيفَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ حَيَاءُ الإِنسَانِ مِنهُ تَعَالَى، إِذَا رَآهُ حَيثُ نَهَاهُ؟!
«فَمَتَى كَمُلَ حَيَاءُ الإِنْسَانِ [مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]، فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الخَيْرِ، وَانْتَفَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الشَّرِّ؛ وَصَارَ بِالفَضْلِ مَشْهُورًا، وَبِالجَمِيلِ مَذْكُورًا»«أدب الدنيا والدين» (ص244)، لأبي الحسن الماوَردِيِّ رحمه الله [بتصرُّف يسير وزيادة]. فَسَلِمَتْ أَفْعَالُهُ، وَتَهَذَّبَتْ أَخْلَاقُهُ، وَطَهُرَ سِرُّهُ، وَظَهَرَ بِرُّهُ، وَقَلَّ شَرُّهُ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ.
للشيخ عبد الهادي بن حسن وهبي
كتاب تذكير الأحياء بخلق الحياء