وردت قصة النبي شعيب عليه السلام في القرآن الكريم في أربع سور هي : الأعراف وهود والشعراء والعنكبوت.
وشعيب لقب بخطيب الأنبياء لما أعطي من منطق حسن وأسلوب لين، وقد بعثه الله إلى مدين أو أصحاب الأيكة وهؤلاء قوم ابتلاهم الله بنقص في المكيال والميزان ، فكانت دعوة شعيب لهم بأن لا ينقصوا المكيال والميزان لأن ذلك يعد غشاً وكذباً وخداعاً والله لا يرضى بذلك.
إذن بعد توحيد الله لابد من معاملة الناس بالعدل والإحسان .
قال تعالى : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (سورة الأعراف:85 ).
- وقال تعالى : (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ) (سورة الشعراء الآيات رقم :176، 177 )
* قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية الثانية :
( هؤلاء -يعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح ، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم ، وإنما لم يقل هاهنا -في الآية الثانية- التي وردت في " سورة الشعراء " أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة ، وهي: شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها، وفي هذه الإضافة ذم لهم واستهجان لحالهم ، فلم يكن من اللائق أن يقول عن شعيب أنه ( أخوهم ) فلهذا لما قال : (كذب أصحاب الأيكة المرسلين ) لم يقل الله عز وجل : ( إذ قال لهم أخوهم شعيب) إنما قال: ( إذ قال لهم شعيب ) فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه وهي عبادة الأيكة الشجرة .وإن كان أخاهم نسباً .
لكن حين ذكر الله عز وجل اسم القبيلة ( مدين ) في سورة : ( الأعراف – هود – العنكبوت ) قال : ( وإلى مدين أخاهم شعيباً ).
إذن فأصحاب الأيكة هم مدين وشعيب أخوهم في النسب ، ومن الناس من لم يفطن لهذه النكتة وهذه نكته لطيفة غفل عنها كثير من الناس كما أشار ابن كثير في تفسيره للآية فظنوا أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيباً عليه السلام بعثه الله إلى أمتين ، ومنهم من قال ثلاث أمم.
ولكن هناك بعض المفسرين يستدلون بحديث أخرجه ابن عساكر أن أهل مدين وأصحاب الأيكة أمتان وليس أمة واحدة . فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان ، بعث الله إليهما شعيباً عليه السلام ). وهذا الحديث فيه ضعف معروف عند أهل الحديث.
وقال ابن كثير رحمه الله : عن هذا الحديث وهذا غريب ، وفي رفعه نظر ، والأقرب أن يكون موقوفاً ، ثم قال والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا في كل مقام بشيء ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان كما في قصة مدين سواءً بسواء ، فدل ذلك على أنهما أمة واحدة.
ويذكر إنهم عاشوا في بلدة مليئة بالماء والأشجار بين الحجاز والشام وكانت حياتهم مرفهة ثرية فأُصيبوا بالغرور والغفلة، فأدى ذلك إلى الاحتكار والفساد في الأرض فبعد أن يئس من إِصلاحهم أصابهم حر شديد ، لا يروي ظمأهم ماء ولا تقيهم ظلال ولا تمنعهم جبال ففروا هاربين ، ورأوا سحابة مظلة لهم من وهج الشمس وحسبوها ستارا من شدة الحر فاجتمعوا تحتها، ولكن ما أن اكتمل عددهم حتى بدأت الغمامة ترميهم بالشرر، وجاءت الصيحة وعذاب الظلة من السماء، وزلزلت الأرض من تحت أقدامهم فأهلكوا وصاروا من الغابرين عندئذ تأسف عليهم نبي الله شعيب وقال بعد أن تولى عنهم:
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى
عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) سورة الأعراف:93
سؤال وجواب :
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عذاب قوم شعيب عليه السلام ففي سورة كان عذابهم الصيحة وفي أخرى كانت الرجفة وفي ثالثة كان عذابهم يوم الظلة
فكيف نجمع بين ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الله تعالى جمع على قوم شعيب كل ما ذكرت من أنواع العذاب، ولا يوجد تعارض بين الآيات، وقد ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية، فقال: وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات، وصنوفاً من المَثُلات، وأشكالاً من البليات، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظُلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات، ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها. ا.هـ 1/210 .
والله أعلم.