الكعبةُ المشرّفة هي أهمّ المعالم الإسلاميّة التي اهتمّ المؤرخونَ بدراسة نشأتها، وقد ثبتَ في القرآن الكريم أن النبيّيْن إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- هما مَن وضعا قواعدها، واستمرّ أبناؤهم وأحفادهم في خدمة البيت وحراسته، لكن استولت جماعات من خزاعة عليها وبدأت بجلب الأصنام إليها، فأصبحت أكثر القبائل تردُّدًا إلى الكعبة للحجّ عند الأصنام، إلا قلة قليلة بقيت على مِلّة إبراهيم -عليه السلام-، ثم تغلب قصي بن كلاب على خزاعة وأصبحت السيادةُ لقريش، وتعرّضت الكعبة للعديدِ من الأحداث من أبرزها حادثةُ الفيل بقيادة أبرهة الحبشي، وسيتم التحدّث عن أبرهة الحبشي في هذا المقال. أبرهة الحبشي
هو أبرهة بن الصباح الحبشي، ويقال له أيضًا أبرهة الأشرم، وهو حاكم اليمن والحجاز لمدة من الزمن، وهو مسيحي متديّن، وكان يعمل تحت حُكم النجاشي ملك الحبشة، والسبب الرئيس لشهرتِه هو بناء كنيسة كبيرة سمّاها كنيسة القليس في صنعاء ليحجّ الناس إليها بدلًا من الكعبة المشرّفة، كما نظّم هجومًا عسكريًّا استعان فيه بفيلٍ قد طلبه من النجاشي لهدم الكعبة لكنه فَشِل بسبب المعجزة التي جعلهم الله بها عِبرة لمن بعدَهم.
قصة أصحاب الفيل
عندما سمعَ أهل مكّة بهجومِ أبرهة الحبشي على الكعبة، رأوا أنّ عليهم الجهاد والدفاع عن الكعبة، فخرج أحد ملوك اليمن اسمه ذو نفر لأبرهة يقاتله فهزم أبرهة ذا نفر واتخذَه أسيرًا، وعندما وصل أبرهة إلى مكّة طلب أن يتحدّثَ لشريف مكة ليخبرَه أنه لم يأتِ لقتال بل أتى فقط لهدم الكعبة، فجاء عبد المطلب لأبرهة، وقد كان له إبل قد سلبَها أبرهة منه فاستردَّها منه، فاستهزأ أبرهة من طلب عبد الطلب أن يستعيد الإبل وعدم طلبه أن يعود عن هدم الكعبة، فقال عبد المطلب له: “لهذا البيت ربٌّ سيمنعه”، وخرج عبد المطلب وأمر قريشًا أن يتفرّقوا في شعاب.
دخل أبرهة المغمس وقرّب الفيل ليدخلَ ويهدم الكعبة لكنّه أبى، وكلما وجّهوه نحو الكعبة يأبى التحرك، وإذا وجهوه نحو اليمن يهروِل نحوها، ثمّ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل، كلُّ طير تحمل ثلاثة حجارة: اثنين في رجليه وواحدًا في منقاره، وما أصاب الحجر أحدًا إلا قتله، حتى أن جسد أبرهة وأجساد من معه تقطعت حتى ماتوا وأصبحوا كالعصف المأكول، قال تعالى في سورة الفيل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(٣) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (٥)}. فحفظ الله تعالى بيته تأسيسًا لنبوة النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي وُلد في العام نفسه، عامِ الفيل.