﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾[آل عمران: 158]:
قدَّم القتل على الموت في الآية السابقة لأنه أكثر ثوابا، فترتُّب المغفرة والرحمة عليه أقوى، وعكَس ذلك في هذه الآية:
﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾
لأن الموت أكثر من القتل، وكلاهما يقودان إلى الحشر.
﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾[آل عمران: 160]:
الخذلان: أن يكلك الله إلى نفسك، والتوفيق ضده: أن لا يدعه ونفسك، ولا يكلك إليها.
في الحديث: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت». صحيح الجامع رقم: 3388
﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾[آل عمران: 160]:
قال ابن القيم: «فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس، فإن تولاه الله لم يظفر به عدوه، وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان، كما يفترس الذئب الشاة».
﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[آل عمران: 161]:
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان على ثَقَل رسول الله ﷺ رجل يقال له (كركرة) فمات، فقال رسول الله ﷺ : هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلَّها.
﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾[آل عمران: 161]:
إشارة إلىه كلما كان العبد أشرَفَ وأعظم درجة كانت الخيانة في حقِّه أفحشَ، ورسول ﷺ أفضلُ البشرِ،
فكانتِ الخيانةُ في حقِّه مستبعدة، ولذا جاءت الآية بصيغة الجحود التي تفيد المبالغة في النفي.
﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[آل عمران: 170]:
من علم أن أحبابه ينتظرونه في جنات النعيم، لا يهنأ له عيش حتى اللحاق بهم والنزول عليهم غدا.
﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾[آل عمران: 170]:
المعنى لم يلحقوا بالشهداء في الفضل، وإن كان لهم فضل.
قال السُّدِّي: «يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه، فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا».
﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[آل عمران: 180]:
قال القشيري: «من آثر شيئا على الله لم يبارك له فيه فلا يدوم له- فى الدنيا- بذلك استمتاع، ولا للعقوبة عليه- فى الآخرة- عنه دفاع».
قال رسول الله ﷺ: «من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان، يُطَوَّقُهُ يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول: أنا مالك أنا كنزك »،
ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[آل عمران: 180]. صحيح البخاري رقم: 1403
﴿ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[آل عمران: 180]:
إشعار بسوء صنيعهم، وخبث نفوسهم، حيث بخلوا بشيء ليس وليد علمهم واجتهادهم، وإنما منحه الله لهم تفضلا، فبدلا من أن يشكروه على العطاء بالبذل والإنفاق، بخلوا بما أعطاهم.
(فمن زحزح عن النار) [آل عمران :185]:
قال صاحب الظلال: »كأنَّما للنَّار جاذبيَّةٌ تشدُّ إليها من يَقترب منها، ويدخل في مجالها!
فهو في حاجة إلى مَن يُزحزِحه قليلًا قليلًا؛لِيُخلِّصَه مِن جاذبيَّتها المنهومة!
فمن أمكن أن يُزحزح عن مجالها، ويُستنقذَ مِنها، ويدخلَ الجنَّة- فقد فاز».
﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾[آل عمران: 186]:
من البلاء سماع هجاء الأعداء.
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾:
ذلك هو اسم إشارة للبعيد، إشارة إلى أن علو درجة الصبر والتقوى وبُعدِ منزلتِهما، وأنَّ ليس كثيرا من الخلق يحصِّلونهما معا.
﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾[آل عمران: 186]:
تنبيه على أن من توهِن عزمه الهزيمة، فليس جديرا بنصرة الحق، فالاختبار محتوم، والهدف منه معلوم، وهو أن يظهر الثابت بحق على الحق، فإن المصائب محك صلابة الرجال.
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران: 189]:
يملك كل شيء، ويقدر على أي شيء، فكيف يتعلق القلب بغيره؟!